مصيبة، كيف استطاعت أمريكا أن تعزل العراق بهذه الصورة الفظيعة؟ هل هذا ما كانت تخطط له منذ البداية؟ فمنذ حوالي سنتين أو أكثر لم نسمع أحد يتحدث عن العراق، بالطبع هناك تقارير يومية تنقل لنا أحداث الشغب والفتنة والانتخابات، لكننا لم نعد نقرأ تحليلات تتحدث عن البنى الإنسانية في العراق لدرجة نتخيل أن العراق اليوم هي الصورة التي يرسمها الإعلام التلفزيوني والخبري الممزوج "بالبهارات" و "الأكشن"، وكأن ما تبقى من العراق هو ما لا يحبه العرب؟
كيف تسنى لأمريكا أن تفعل كل ذلك؟ بثت الفتنة، واحتلت العراق، وأعدمت صدام، ودفعت العرب لعزلها في حالة حجر ديمقراطي، تمرينات تستأصل الروح، ولا كأن بغداد تفترش كتب أنطون تيشخوف ودوستوفيسكي المترجمة، والسمك المسقوف و"الشاي بالكاسة" في زقاقها يا مظفر النواب..أين أنتم.
كيف كنتم تحبون العراقيين أيام حرب الخليج الأولى، وكنتم تهتفون لبطولاتهم وتغنون لماجداتهم وتتجولون على الرصافة وتحتسون "المحرمات" في وسط الليالي الحارة بين المقاهي ونوادي الكتاب والنخبة، ثم تعودون لتناول التكة والكباب أو الباجه مع الشاي العراقي "السنكين" في شارع أبي نواس.
حتى المشوار "الكوميدي" للهاتف بـ "العلوج" الأمريكان كنتم تنتظرونه على أحر من الجمر كتراث، ونسينا أن في العراق أناسا هناك مثلنا عرب عاديين، قُتل بعضم، واستشهد بعضهم، وهاجر أكثرية مثقفيهم ومفكريهم وعلمائهم وناسهم، فصار العراق كأنه يعني بالنسبة لنا : علاوي والمالكي، وخلافات دستورية على السلطة (!)، صدر وعجز، سنة وشيعة، واحاديث عن إنسحاب للقوات الأمريكية بين الخطوط أو السطور.
شخصيا، كنت أحب صدام، ثم كرهته وتعلقت بالمعارضة، ثم سخطت عليهم جميعا واحتفظت بحب العراق فقط، وحدها بغداد تستنطقني وتطلب شهادتي المجروحة بالماضي والولاء... لمن للأسماء التي تأتي وتذهب ولا تشق نطاقها لتطعم الجياع.
يا حاتم العراقي.. لماذا لم تعد تردد قصيدتي.. في الخاتم المنقوش من وهج الزمرد.. في ثوبك الأبهى ونار الشوق تبرد.. بغداد يا أميرة العواصم.. يا صوت من رحلوا لك الأيام.. تسجد..
أنا أحب العراق..
* روائي وكاتب صحفي