بالأمس وبعد حوار قصير مع صديقي الذي فرقتنا الأيام وجمعنا ( الواتس اب ) سألني صديقي لماذا تغيرت ؟ فلست من كنت أعرفه في أيام الجامعة؟!
ولا شك أن هذا السؤال أرقني كثيراً ولم يفارق ساعات يومي وليلته، فأيام الجامعة انقضت منذ خمسة عشر سنة ومعرفتي بصديقي قاربت على العشرين ، وبعد هذه السنين يسألني صديقي ، لماذا تغيرت.
نعم تغيرت ، وخلال الفترة التي افترقنا فيها حدثت أحداث وأحداث ...
انهارت أبراج التجارة العالمية في نيويوك.
واحتلت العراق .
وأعدم صدام حسين.
وانقسم العالم من حولنا إلى محورين ، محورٌ يريد ذبحنا جهراً ومحورٌ يريد ذلك خفاءاً.
تغيرت أنظمة كنا نعتقدها مخلّدة، فتونس وليبيا ومصر واليمن خلعت أصنامها وتخلّت.
لم يسلم شبرٌ من الأرض من اعتداء أو سفك دم.
تحولت الشام إلى مقبرةٍ جماعية، وأبيدت معالم الحضارة والتاريخ فيها.
وعن القيم يا صديقي فحدّث ولا حرج...
أصبحت الفتيات أشباه رجال والشباب أنصاف نساء...
اصبحت البلادة من صفات المجتمعات التي نعيش فيها ...
والتسحيج والنفاق ديدنة التعامل بين الناس...
أصبحت المنكرات من مصنفات الرجال وحلّت محل النخوة والشهامة والكرم.
أصبحنا نعبدُ الأشخاص ونوصلهم إلى مراتب عليّين وفي لحظة اختلفنا معهم حشرناهم في سجين.
لبس الناس من حولنا ثياباً ليست لهم، وهم يعلمون عدم ملاءمتها لهم.
أصبح المثقف وضيعاً يبيع دينه ودنياه على أعتاب العهر الثقافي.
وكذا السياسي والفنان وغيرهم.
في السنوات التي افترقنا بها يا صديقي تغيرت أشياء أخرى لم أذكرها، فأنت تعرفها أكثر مني وأنت تعيش حياتك اللندنية...
فالإعلام والانترنت والهواتف الذكية لم تكن حين التقينا.
وكان الجميع يتصدق علينا بالخبر والمعلومة ، حتى جاءت الأيام لتكشف عن عوراتهم وكذبهم وزيف بطولاتهم...
أصبح الحديث في أعراض الناس أشبه بحبة الفلافل التي كنا نتسامر عليها ، لا تؤكل إلا ساخنة...
أما الشيء الوحيد الذي لم يتغير ..
أن من حولنا مازالوا ينظرون بعينٍ واحدة ويستعملون مربعاً واحداً من العقل، ويتنفسون ذات الهواء الملوث ، ويظنون أنهم في أحسن حال!!!
في السنوات التي افترقنا بها يا صديقي تغيرت، وتغيرت ثم تغيرت ...
وفي الوقت الذي تشعر أنني لم أتغير ، أرجوك أن تقرأ على روحي الفاتحة ويس وما تيسر من آي الكتاب...