المقاومة الاسلامية تقود حركة نهوض الامة
الاسلام يتقدم لقيادة المنطقة والاتراك يدافعون عن حقهم في فلسطين
المنطقة تعيش حالة مخاض لشرق اوسط جديد بدون اسرائيل
باطلة كل قرارات الامم المتحدة وباطلة كل الاتفاقيات مع العدو الاسرائيلي
الهمجية الاسرائيلية كشفت عورة النظام الرسمي العربي
بلال حسن التل
حتى وان تمكن الرعاة الامريكيون والاوروبيون, كعادتهم من انقاذ ربيبتهم اسرائيل, من شر اعمالها وفضائحها التي تجسدت بابشع صورها في عدوانها على اسطول الحرية, وقتلها كعادتها ايضا للمدنيين العزل, فان هذا الانقاذ سيكون مؤقتا, ولن يحمي اسرائيل من مصيرها المحتوم, الذي تُسرع بها جرائمها اليه. خاصة جريمتها الاخيرة في الهجوم على اسطول الحرية, الذي كشف الكثير من الحقائق.
اول الحقائق التي كشفها الهجوم الاسرائيلي على اسطول الحرية هي ان منطقة الشرق الاوسط تعيش مخاضا سيكشف عن شرق اوسط جديد, لن يكون بالتأكيد وفق المقاييس الامريكية بل على العكس من ذلك تماما سيكون شرق اوسط معاد بالمطلق للولايات المتحدة الامريكية, وكل من يدور في فلكها. واكثر من ذلك فانه سيكون شرق اوسط خال من اسرائيل التي شكلت منذ اوائل القرن الماضي مصدر قلق للمنطقة وشعوبها بل وللعالم كله. وقد آن لهذه المنطقة ان تستقر عبر التخلص من عناصر التوتر والقلق فيها, وهو ما تقود اليه كل المؤشرات والدلائل التي ستؤتي اُكلها في السنوات القادمة, بعد ان بدأت شعوب المنطقة تسترد انفاسها, ومعها تسترد حقها في تقرير مصيرها, ومصير بلادها وهوية هذه البلاد وعقيدتها, »اعني الاسلام«, الذي تؤكد الاحداث والوقائع انه يتقدم يوما بعد يوم, ليقود المنطقة ويعيد اللحُّمة الى ابنائها, فها هم الاتراك ينفضون عنهم اثواب العزلة والانعزال عن المنطقة ويعودون للتوجه الى محيطهم الحضاري في الشرق المسلم. بل ها هم يتقدمون الصفوف في الدفاع عن هوية هذا الش¯رق, وعن حقوق ابنائه وحضارتهم وها هو رئيس وزراء تركيا الطيب رجب اردوغان يتقدم الصفوف ليصبح زعيم امة تهتف هتافا واحدا من طنجة الى جاكرتا »الله اكبر.. الله اكبر القدس لنا«. وها هم الاتراك يعلنون عن حقيقية مشاعرهم المعادية لاسرائيل مغتصبة اولى قبلتيهم وثالث مساجدهم التي تشد اليها الرحال. ويعلنون على لسان رئيس وزرائهم الطيب انه لو تخلى العالم كله عن فلسطين, فانهم لن يتخلوا عنها. وفلسطين في الوجدان المسلم »وقف« لكل المسلمين لا يحق لاحد ان يتنازل عن شبر من ارضها, لذلك باطلة كل قرارات الامم المتحدة التي قسمت فلسطين, واقامت فوق ترابها الطهور كيانا غاصبا مصنوعا اسمه »اسرائيل«. وباطلة كذلك كل الاتفاقيات التي اقرت لهذا الكيان بشرعية الوجود, حتى وإن وقعها بعض الذين ينتسبون الى فلسطين. فلا احد يمثل الامة في التنازل عن حقوقها في فلسطين الموقوفة تاريخيا للمسلمين, كل المسلمين. لذلك فإن الاتراك يدافعون عن حقوقهم في فلسطين, ولذلك ايضا لم يكن غريبا ان ترفع في بعض مظاهرات الاتراك صور السلطان عبدالحميد الذي دفع عرشه ثمنا لرفضه الاعتراف بوضع خاص لليهود في فلسطين.
لقد كرست الهمجية الاسرائيلية في التعامل مع اسطول الحرية, عودة تركيا الى امتها الاسلامية, بل في مقدمة مواكب هذه الامة العائدة الى دينها وحضارتها وذاتها, مثلما كرست خسارة اسرائيل لتركيا. وهكذا يعيد الاسلام والوعي الاسلامي اثنتين من اكبر المكونات البشرية للامة الاسلامية الى موقعهما الطبيعي, في مواجهة المشروع الصهيوني, بعد ان ظلا لعقود طويلة من حلفاء هذا المشروع, فمثلما اعادت الثورة الاسلامية ايران الى موقعها الاسلامي وحولتها من حليف لاسرائيل الى عدو شديد العداوة لها, فإن ما يجري الان في تركيا يأتي بفضل الوعي الاسلامي الذي عاد الى عقول وضمائر ابناء الشعب التركي فانحاز الى دينه وحضارته فصار في الصفوف الاولى العاملة لاجل فلسطين وعودتها الى احضان امتها وتحريرها من رجس الاحتلال.
وهكذا تعود فلسطين والقدس درَّتها الى لعب دورها التاريخي, في استنهاض وعي الامة ونخوتها والعمل من اجل وحدتها. فقد كانت فلسطين على مدار تاريخ الامة عنصر التوحيد الجامع للامة دفاعا عن فلسطين, وسعيا لتحرير اقصاها, الذي كان يتم في كل دورة من دورات التاريخ بواسطة اصحاب الايدي المتوضئة لذلك لا غرابة ان تقود المقاومة الاسلامية بكل اشكالها العسكرية وغير العسكرية حركة نهوض الامة. فاصحاب الايدي المتوضئة في ايران هم الذين حولوا ايران من دولة حليفة لاسرائيل, وخادمة لامريكا الى عدو لاسرائيل, متمرد على امريكا. اصحاب الايدي المتوضئة في تركيا هم الذين يقودون اليوم حراك تخليص تركيا من التحالف الاستراتيجي مع اسرائيل, وينقلونها الى الخندق المقابل. واصحاب الايدي المتوضئة في لبنان هم الذين جدعوا أنف اسرائيل. واصحاب الايدي المتوضئة في غزة هم الذين صمدوا وردوا العدوان. وهذه كلها محطات على طريق تقدم الاسلام الى دفة القيادة في هذه المنطقة لينقذها مما هي فيه. وليكون عنصر توحيد ابنائها باعتباره عقيدتهم, والموجه الاساس لسلوكهم. والمحدد الرئيس لمواقفهم, والصانع الحقيقي لصفحات تاريخهم المشرق. فالصحوة الاسلامية تتنامى اليوم بين ابناء المكونات التاريخية الرئيسية للحضارة الاسلامية. »اعني العرب والترك والفرس«, الذين بدأت تتعاظم هذه الايام عوامل توحيدهم على حساب عوام فرقتهم المصطنعة, وابرزها النظام العربي الرسمي الذي كشفت الهمجية الاسرائيلية ضد اسطول الحرية عورته. ودوره في تمزيق الامة بل واضعافها ومحاصرة شعوبها.
ومثلما كشفت الهمجية الاسرائيلية عورة النظام الرسمي العربي, فقد كشفت كذلك حاجة العرب الى قيادة تنقذهم مما هم فيه. فجماهير العرب ليست اقل اخلاصا وحماسا من اخوانهم في ايران وتركيا. لكن الجماهير هناك فرزت قياداتها فحدث ما حدث, وصارت صور اردوغان ترفع في شوارع كل مدن الامة تماما مثلما ترفع صور السيد حسن نصرالله. ومن قبلهما صور الامام الخميني برهانا اكيدا على وحدة فكر الامة ومشاعرها واهدافها. وظل ان ترفع الى جانب صور هؤلاء القادة صورة لقائد عربي يغير صورة النظام الرسمي العربي, بعد ان يصحح مساره.
لقد كشفت الهمجية الاسرائيلية ضد اسطول الحرية كم هي حاجة العرب الى قائد بحجم المرحلة, يملأ الفراغ على مستوى الامة وهو الفراغ الذي يتقدم لملئة اخوانهم الاتراك والايرانيون. مع ان العرب هم الحملة الاساسيون لرسالة الاسلام. ومع انهم هم ام »الولد«. فالاصل ان قضية فلسطين قضية عربية فهكذا ارادها العرب. قبل ان يقزموها الى حجم منظمة التحرير الفلسطينية, لتحجم بعد ذلك الى حجم هذا الفصيل او ذاك الفصيل الفلسطيني مع انها قضية المسلمين كلهم. فهي هي قضية ارض الرباط الحاضنة لقبلة المسلمين الاولى واحد مساجدهم الثلاث التي تشد اليها الرحال.
المؤشرات التي تقود اليها القراءة في الهمجية الاسرائيلية ضد اسطول الحرية كثيرة, لعل ابرزها: ان سنن الله في هذا الكون ثابتة. ومن هذه السنن انه لا يمكن لعدوان واغتصاب وعلو واستكبار ان يدوم. واذا كانت حرب 1967 اخر الانتصارات الحاسمة لاسرائيل والتي بدأ بعدها مسلسل هزائمها يتوالى ويتعاظم وهو المسلسل الذي سيقود الى نهايتها فان السنة الاخرى من السنن الالهية التي اظهرتها الهمجية الاسرائيلية هي الغرور الذي يقود صاحبه الى الاخطاء القاتلة, التي تسرع بنهايته. وهذا بالضبط ما فعله الغرور الاسرائيلي عبر التصرف الهمجي مع اسطول الحرية. فهذا الغرور سرّع باندفاع تركيا نحو حضنها الاسلامي, وعمد العلاقات العربية التركية بالدم التركي الطهور الذي سيفعل فعله مع الايام بتطهير ما اعترى هذه العلاقات من شوائب, وفي ترسيخ العداء التركي لاسرائيل, وانخراط الجهد التركي في عملية تحرير فلسطين, وهو الغرور الذي فضح اسرائيل حتى امام اصدقائها ومناصريها فتناقص عددهم وزاد عدد من يقفون في الصف الاخر في مواجهة اسرائيل من كل شعوب الارض. وقد علمنا قرآننا ان الغرور من اهم اسباب زوال الدول والحضارات والكيانات. فكيف اذا كانت هذه الكيانات مصنوعة غاصبة قائمة على اوهام مثلما هو الكيان الصهيوني في فلسطين?!
ومن المؤشرات التي ابرزتها الهمجية الاسرائيلية ضد اسطول الحرية, هي ان العدو الاسرائيلي لا يفهم الا لغة القوة لذلك كانت سرعة رضوخه للتهديد التركي باطلاق اسرى اسطول الحرية, قبل نفاذ مدة الانذار التركي الذي عبر عن عزة وطنية تركية مشحونة بعزة اسلامية مميزة, اعطت للموقف التركي هذه النكهة, وهذا العنفوان الذي يحيي في امتنا روح المقاومة التي ستقودها الى الصلاة في المسجد الاقصى محررا