في كل مرة يعلن فيها عن ضبط كميات كبيرة من المخدرات بأنواعها المختلفة، فإنها تدق ناقوس الخطر، وتعيد إلى الأذهان التحديات الخطيرة التي تواجه الشباب في هذا البلد، وأهمها استهداف عقولهم وأبدانهم بسموم المخدرات والمسكرات التي تحد من عطائهم، وتضعف مشاركتهم، وتسلب طاقتهم للمشاركة بفاعلية في منظومة التنمية المباركة في المملكة .
إن مشكلة إدمان المخدرات تحتل مكاناً متقدماً بين المشكلات النفسية والطبية التي تواجه الشباب، وهي تؤثر في الجسم والعقل بطريقة ما، حيث يمكنها أولاً أن تعطي أثراً ممتعاً، ولكنها سرعان ما تسبب ضرراً مستمراً للعقل؛ ولهذا فإن محاولة تعاطي المخدرات أمر خطير جداً، ومدمنو المخدرات يعرضون أنفسهم لاضرار عديده, ويقدر البعض أن نحو نصف ما يرتكب في المجتمع من جرائم يقوم بها الأفراد في حالات تعاطيهم، أو من أجل الحصول على المال اللازم للإنفاق علي إدمانهم.
إن الإدمان على المخدرات ليس مشكلة محلية، بل إنه من الظواهر الخطيرة التي تجتاح العالم في عصرنا الحالي، وتسبب المخدرات مشكلات عديدة في معظم بلاد العالم، وتكلف الدول خسائر بشرية واقتصادية كبيرة؛ ما يجعل الإدمان مشكلة أولتها الهيئات الدولية والإقليمية أهمية كبيرة، ورصدت الأموال واستحثت العقول؛ لمحاولة الوصول إلى حلول تحد من تفشيها وتزايدها المضطرد.
إن فئة الشباب هم الفئة السكانية الأكثر استهدافاً من منتجي ومروجي المخدرات، حيث إنها تنتشر بشكل كبير بينهم قياساً على بقية فئات المجتمع، ومن هنا تبدو ضرورة وقوف جميع مؤسسات المجتمع عامة وقفة جماعية صلبة، يدا بيد مع مديرية الأمن العام وخصوصا ادارة مكافحة المخدرات، أمام هذا التحدي الخطير الذي أصبح يهدد المجتمعات البشرية النامية والمتقدمة على حد سواء في ظل الاتصالات السريعة، والحدود المفتوحة بين الدول التي أصبحت من العوامل الرئيسة في انتشارها.
ويمكن القول إن إحدى المعضلات التي تواجه مؤسسات المجتمع عند تعاملها مع قضية المخدرات هي التركيز على المشكلات (أي النتائج والمخرجات)، وإغفال المسببات والعوامل (أي المدخلات) التي تؤدي إلى حدوث هذه المشكلات، ما يقلل من تأثير هذا النوع من المعالجة ويهدر الكثير من الجهود والأموال دون طائل يذكر.
إن على مؤسسات المجتمع عامة، والمؤسسات التربوية خاصة أن تؤدي أدوار أكثر التصاقا باحتياجات الشباب، وتعالج المسببات التي تؤدي إلى هروب الشباب من واقعهم وارتمائهم في أحضان المروجين والمهربين وباعة السموم الرخيصة. ولعل أبرز هذه الأدوار تتمثل في معالجة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للشباب، وتوفير فرص العمل الكريم لهم، وتهيئة الوسائل المناسبة لقضاء أوقات الفراغ والترفيه والرياضة المفيدة.
من جهة أخرى، فإن على المؤسسات الاجتماعية والتربوية العناية بالتنشئة الاجتماعية السليمة للشباب، وتنمية الوازع الديني في نفوسهم، وتعزيز مناعتهم الذاتية ضد كل أسباب الانحراف، وتوجيه قدرات الشباب نحو أعمال نافعة ومفيدة. والاهتمام بمعالجة المشكلات الشخصية والاضطرابات النفسية لدى بعض الشباب مثل الخجل والخوف والإحباط، وسهولة الاستثارة، والقلق والاكتئاب والفشل في الدراسة أو العمل، وعدم مواجهة المشكلات، والبحث الطائش عن اللذة والنشوة، وغياب القدوة الحسنة. فضلا عن زيادة وعي واهتمام الأسرة الأردنية بأساليب التنشئة الأسرية الصحيحة، وتقوية جدارها ولحمتها، ومعالجة المشكلات الأسرية مثل تسلط الوالدين، أو التدليل الزائد للأبناء، وضعف مراقبة تصرفات الأبناء الغريبة وليس التجسس عليهم ، والسفر للخارج، وتوافر المال الزائد، وتفعيل لغة الحوار مع الأبناء لاحتوائهم، حتى تصبح الأسرة هي الإطار المرجعي لأبنائها وليست جماعات التعاطي وأصدقاء السوء أو مواقع الإنترنت المشبوهة.
إن التنمية المتسارعة التي تشهدها المملكة في الوقت الحاضر تقوم على أيدي وعقول رجالها وشبابها المنتجين والفاعلين والطامحين لمستقبل أفضل، والبعيدين كل البعد عن السلوكيات المنحرفة ومنها تعاطي المخدرات. وإن كل شاب يقع في دائرة الإدمان بأنواعه المختلفة لهو خسارة كبيرة للمجتمع، ولم يكن ذلك الشاب المتعاطي عبئا على التنمية فهو لا شك سيكون يوما من الأيام عونا للمفسدين والإرهابيين والمجرمين الذين يعيقون التنمية ويتسببون في عدم تحقيق أهدافها الخيرة.
خـلـيـل فـائـق الـقـروم