أغلب دول العالم المتقدمة ، تسعى وبجهود حثيثة إلى خلق نوع من التوازن الاجتماعي بين أفراد المجتمع ، ابتداءً من سن الطفولة ومروراً بسن المراهقة \" الشباب \" وانتهاءً بسن الشيخوخة \" الكهولة \" الذين أطلق عليهم حديثاً مفهوم \" المسنين \" بعد أن تحول اعتباطياً من مفهوم \" العجزة \" وهو المقصود في مقالي هذا ، فعندما أطلق مفهوم \" العجزة \" على هذه الفئة ممن نسلونا ونسلوا أبائنا إلى هذه الدنيا ، لم يكن اعتباطياً ، بل فرضه أمر واقع ناتج عن \" تقدم السن \" لهؤلاء أدى إلى عجزهم عن تأدية أمور حياتهم وواجباتهم بصورة سليمة ، ونحن نعي تماماً أن \" العجز \" أصاب وزاراتنا من وضع الحلول المناسبة فيما يخص الاحترام والتقدير لهؤلاء \" المسنين \" ..!!
إلاّ أنه ومن باب الاحترام اللفظي في المسمى وليس الإنساني ، ذهب اللغويون الذين يتغاوون بلغتهم لا إنسانيتهم إلى تعديل مسمى هذا المفهوم من \" العجزة \" إلى \" المسنين \" ، وكأن بهذا التعديل قد أديّنا الواجب المفروض علينا تجاههم ، أو أنه قد وفر لهم احتياجاتهم الإنسانية دون المنّ عليهم ونكران جميلهم علينا ..!!
من عندي ومن عند الأجاويد ممن مسّهم هذا الألم ، وبدون تعجب أو استفهام ، وبدون الخوض في بواطن الأمور والخصوصيات للناس ، لم نرتقي بعد إلى الحدود الدنيا من حفظ الكرامة والاحترام لهذه الفئة من آبائنا وأمهاتنا .. رغم أننا جميعاً ارتقينا إلى التيقن بأننا \" كلنا على ذات الدرب سائرين \" ما دامت الروح فينا والقلب ينبض و الدم يسري في العروق ..!!
إن ما وضعني في ذهولٍ مع نفسي .. أن قوانين وتعليمات وزارة الشؤون الاجتماعية لم تُلمّحْ للحقوق الواجبة التقديم \" للمسنين \" سوى \" دور المسنين أو العجزة \" أو كما سميت لاحقاً \" بدار الضيافة \" ، بل على العكس من ذلك بات توفير متطلباتهم واحتياجاتهم من خلال التعليمات والأنظمة الخاصة \" بالمعاقين \" التي لم تكن تنطبق عليهم فيما قبل الشيخوخة التي حولت من \" عجزة \" إلى \" مسنين \" لتصبح الآن بقدرة قادر إلى \" معاقين \" .. ناهيك عن التعليمات المجحفة و التعقيدات \" غير الائقة \" التي تواجه المسن من أجل الحصول على ما قد يقيه الحاجة للغير لخدمته ..!!
الشروط الواجب توفرها : ((( استنادا للمادة رقم \"12\" فقرة \"د\" من قانون العمل الأردني \"8\" لسنة 1996 والتي تنص على أن \" لوزير العمل بناء على توصية من وزارة التنمية الاجتماعية ان يعفى المعوق شديد الإعاقة او ولي أمره او وصيه من دفع رسم تصريح العمل لعامل غير اردني واحد اذا كان المعوق بحاجة ماسة ودائمة الى المساعدة من الغير للقيام بأعباء حياته اليومية اذا كانت مهام العامل غير الأردني تقتصر على تقديم العون للمعوق . ان يكون المعوق من فئة شديدي الاعاقة وهي الاعاقة العقلية الشديدة او الشلل التام لكلا الطرفين السفليين او الشلل التام للأطراف الأربعة أو الشلل التام النصفي الطولي للجسم أو الشلل الدماغي الشديد او العجز البصري الكلي كفيف او ذوي الاعاقات المتعددة الشديدة وان يكون بحاجة ماسة ودائمة الى المساعدة من الغير للقيام بأعباء حياته اليومية إذا كانت مهام العامل غير الأردني تقتصر على تقديم العون للمعوق ))) .
أما التعليمات أعلاه والتعقيدات الجديدة \" حجة إعالة وكشف راتب وحساب برصيد يزيد عن ثلاثة آلاف دينار \" للحصول على إعفاء من رسوم العمل \" لخادمة \" والتي تصل لأبعد تقدير نحو \" 600 دينار لمدة سنتين \" تحتاج من المسن تقديم ما يلزم من تقارير طبية أولية وتقارير لجنة مركزية ولجنة لوائية لتثبت أنه ( ( شديد الإعاقة ، شلل كلي ، الدماغي الشديد ، المتعددة ، العجز البصري الكلي )) أي أن يكون على \" فراش الموت \" وأيامه معدودة في الحياة للفوز \" بالإعفاء \" وكأن بنا نعلم ساعة الرحيل عن هذه الدنيا ... وفي المقابل يتحمل \" المسن \" تكاليف استقدام ورواتب \" الخادمة \" لمدة سنتين تقريباً نحو \" 6000 دينار \" ، ما يعني أن وزارة التنمية الاجتماعية تتحمل معدل 1/10 من إجمالي التكاليف .. على النقيض من ذلك في الدول المتقدمة تسعى لتطوير برامج خاصة لرعاية كل من تجاوز سن الستين عاماً ، بكل النواحي الترفيهية والصحية والاجتماعية ، وباعتقادي أن هذا ليس بكثير على هذه الفئة من أبناء هذا الوطن المعطاء التي كان لها أيادي بيضاء في رفعته وتقدمه وتماسك نسيجه الداخلي ..؟؟؟
فيا دولة الرئيس .. إن هذه الأيادي البيضاء من \" المسنين \" التي أتت من رحم هذا الوطن ، وحاكت له كوفية العز والفخار ، أهدابها أبناء هاشم الأطهار ، لا تنتظر إلا قليلاً من الاحترام والتقدير ..!! م . سالم أحمد عكور akoursalem@yahoo.com