(1-2)
برغم الحراك والتجاذبات والانتقادات التي لابد وان سمعت بها الحكومة ,أقرت قانون الانتخاب لمجلس النواب رقم 9 لسنة 2010 المؤقت في مخالفة واضحة للدستور الذي لم يجيز للحكومة إصدار القوانين المؤقتة عندما يكون مجلس الأمة غير منعقد أو منحلاًً إلا في الأمور التي تستوجب اتخاذ تدابير ضرورية لا تحتمل التأخير أو تستدعي صرف نفقات مستعجلة غير قابلة للتأجيل( 1 من المادة 94 من الدستور) , فأي من هذه الشروط ينطبق على القانون المذكور خاصة وأنة يوجد قانون سابق لهذا الغرض, كما أنة خالفه بإعطاء المرأة حق الكوتا والناس سواسية أمام القانون( 1 من المادة 6 من الدستور), وحتى هذه لم تكن بنية خالصة لإنصاف المرأة لكنها جاءت تلبية لمطالبة خارجية محمومة. أخذت المرأة في بلدنا حقها ودورها غير منقوص و بحسب نص القانون, أما في موضوع الانتخاب والترشيح فان حق المرأة الكامل لا يتحقق عن طريق الكوتا , انه لا يتحقق إلا أن يقتنع الرجل بذلك , فكيف له أن يقتنع في ضل غياب برنامج شامل متكامل يحفظ له رجولته المبنية على معانيها العليا التي من بينها إن في الأنثى مستقبلة أو على اقل تقدير شريكته في السعي نحو هذا المستقبل, على العكس من ذلك فان الرجل يتعامل مع برنامج يريه رجولته على أنها هي المبنية على مقاييسها الدنيا والتي هي على تناقض دائم مع الأنثى. انه قانون مكرس للعشائرية والعصبية برغم كل الماكياج الذي رافقه لإخفاء تشوهاته. لقد أسمعتنا الحكومات المتعاقبة كلاما كثيرا حول نيتها لتطوير الانتخابات وتطوير عمل البرلمان, لكن القانون الجديد أكد وبلا شك أنة لا تتوفر النية أو الإرادة الحقيقية للتطوير أو على اقل تقدير إصلاح الخلل. لقد طلبت الحكومة السابقة تأجيل موعد الانتخابات لتأخذ فرصتها في دراسة القانون وتهيئة الأجواء للانتخابات والحكومة الحالية أخذت وقتا طويلا في دراسة القانون ( علما بأنها بلمحة بصر أقرت قوانين أصعب منة) وبعد كلام وإعلام حول الجهد الذي بذلته الحكومة في الدراسة وفى الاستماع لآراء الناس وبكل أطيافهم ومراتبهم وشرائحهم ومدنهم وقراهم , وهو كلام في كلام, خرجت علينا الحكومة بنسخة مشوهة من القانون السابق - قانون الصوت الواحد - , وبعد قراءة القانونين السابق والحالي فأنني أقول أن من يعرف مبادئ الكمبيوتر يستطيع إعلان القانون الحالي خلال ساعة واحدة, إذ أنة نفس القانون السابق المحفوظ على كمبيوتر رئاسة الوزراء مع إضافة مشوهة هي زيادة كوته النساء من 6 إلى 12 والدائرة الواحدة تصبح عدة دوائر هلامية بعدد مقاعد الدائرة ا لسابقة وزيادة 4 مقاعد في عمان والزرقاء واربد على أساس التدرج في المحاصصة وفق جدول زمني حدد مسبقا. هل تحتاج هذه الإضافات إلى القانون السابق التي لا تتجاوز عدة اسطر إلى كل هذه المدة الطويلة من الدراسة. إن القانون الجديد لا يحتاج إلى كل هذا الوقت الطويل لاعلانة لكنها النية المبيتة له هي ما احتاجت كل هذا الوقت, إنها النية التي تعتمد على قراءة كل الاحتمالات مع التركيز على الاحتمال الذي يكفل النتائج لصالح برنامج الحكومة دون اضطرارها إلى تزوير مجرياتها ونتائجها في محاولة لمنع تكرار التجربة السيئة السابقة, وانتخاب برلمانيين مؤدبين خلوقين نظيفين من التزوير لكن أدبهم وخلقهم كأدب من يرافق والدة و أخوانة الكبار يوم خطبته فلا ينطق بكلمة وكل ما علية فعلة هو تسريح شعرة و حلاقة وجهة و ارتداء بدلته الجديدة وعطرة بفحفح والجلوس صامتا مبتسما إن كان شابا أو التحلي بالحلم والعقل الرزين الوزين وقلة الكلام إن كان كبير السن. إن نتائج هذا القانون محسوبة بدقة ومحسومة لصالح الحكومة ويستطيع أي مجرب تسمية الفائزين بمجرد إعلان ترشيحهم , وعلى اقل تقدير يستطيع تسمية حصة الحكومة من بينهم. أضافت الحكومة ديكور ظاهرة جميل وباطنه فارغ وهو معاقبة من يعبث في الانتخابات, في خطوة لا يمكن وصفها إلا أنها ضحك على اللحى, وأقرت إلغاء امتيازات النواب من حيث الراتب واحتساب سنوات البرلمان لأغراض التقاعد, وما كانت هذه الخطوة إلا دغدغة لمشاعر الجمهور غير الراضي عن أداء النواب, لكنها خطوة غير موفقة, فلكي يؤدي النائب واجبة لابد وان يتوفر له دخل يكفيه ويكفى عياله ويكفى قدرته على التواصل مع دائرته الانتخابية, كما أن خدمته في مجلس النواب هي خدمة للدولة مثله مثل كل موظفيها فكيف يحرم من أربعة سنوات من خدمته الخاضعة للتقاعد. إن هكذا إجراء يحرم الراغبين من موظفي الحكومة غير المقتدرين ماليا من الترشح لانتخابات البرلمان. من الرتوش التي اعتمدتها الحكومة في القانون الجديد إضافة قاضى لكل واحدة من اللجان المشكلة بحكم هذا القانون, وهى بذلك تضيف ضحكة أخرى على الناس, إن هذا القاضي وبحسب المهمة الموكلة له في هذا القانون هو موظف وليس قاضيا, إن القاضي لا يكون قاضيا إلا إذا كان محكمة أو ضمن محكمة يرأسها هو أو من يعلوه في الدرجة من القضاة ويصدر حكمة باسم الملك, أما إن كان القصد هو وجود شخص عارف بقانون الانتخاب والنظام الصادر بمقتضاه فهذا يكفيه من لدية قدرة على القراءة والكتابة القانونية, إن إضافة قاضى للجان المذكورة بالإضافة إلى أنها محاولة لتزيين القانون في نضر الناس الذين حتى الآن لم تصل عدم ثقتهم حد القضاء, فإنها إساءة (وان كان ظاهرها غير مقصود) للقضاء الذي يجب أن يكون في منأى عن ملوثات الانتخابات أو يكون هو المسيطر على مجرياتها بكامل حريته وبكامل صلاحياته الدستورية والقانونية. حتى اللجان العليا لأغراض دستورية وان لم يكن القاضي رئيسا لهذه اللجان فان ارجحية القرار من حيث العدد هي للقضاة.
في الوقت الذي تخالف فيه الحكومة نصوصا دستورية وقانونية واضحة إذا تعارضت مع توجهاتها فإننا لا ننكر أنها تنتقي من النصوص ما يزين أعمالها وقراراتها, لقد ضمنت القانون الجديد الفقرات 1 و 2و 3 من المادة 67 من الدستور والتي تؤكد على سلامة الانتخاب وحق المرشح في مراقبة الانتخابات ومعاقبة العابثين بالانتخابات.
بموازاة القانون الجديد تقرا علينا الحكومة كل يوم نبا مفاده أن الانتخابات القادمة ستكون نزيهة وهى تعلم علم اليقين بان الناس لا تثق بكلامها فهو نفس الشعار المرفوع على الدوام عند كل انتخابات لكن التزوير والتحريف وشراء الذمم يحصل جهارا نهارا, إن ما حصل في انتخابات المجلس السابق تعدى كل وصف وكان تدخل الجانب الرسمي هو الأكثر وضوحا في توجيه العملية برمتها ليكون المولود مشوها, ويتساءل البريء لمصلحة من كل هذا التشويه والنخر الممنهج في نسيج الوطن. إن النزاهة ونتائجها لا تكون وليدة اللحظة, إنها عمل صبور و جاد مع توفر النموذج ليحتذى وهذا لا يكون بمراقبة الصناديق يوم الانتخاب والفرز, انه يتحقق بتوفير البيئة المناسبة للتنافس الشريف وعلى أساس البرنامج وعلى أساس أهلية صاحب البرنامج ليختار الناخب نائبة على أساس متين هو الوطن وليس على الأساس الدارج منذ حوالي عقدين وهو درجة القربى أو المنفعة الشخصية أو تصفية الحسابات أو استرخاص الرجال, وهو الأساس الذي زرعته السياسات المخطوئة المتبعة خلال السنوات الماضية. إذا كانت الحكومة جادة في موضوع النزاهة لانتخاب مجلس نواب على مستوى التحديات وعلى اقل تقدير مجلسا نزيها , عليها أن تسعى جادة بان تكون ولادته نزيهة من خلال المراقبة الجادة للمال السياسي وحماية الناس من هذا المال ومن مؤثرات من سجلوا حضورا ورضا في الحكومة, من خلال فتح الباب أمام حرية التعبير والاستماع للرأي المخالف والنقد البناء, عليها أن تتبنى إعادة فكرة الانتخاب على أساس البرنامج وان كانت هذه الفكرة شبة ميتة بفعل ما جوبهت بة من نهج رسمي أدى إلى ولادة عدة مجالس مارست الفساد و الإفساد بحق البلاد والعباد وكان من أولى نتائجها تخريب النفوس وتحويل الطيبة إلى انتقام, أدت إلى زعل الأخ من اخية والرجل من ابن خالة وابن عمة والزوجة من زوجها حتى أنها أدت إلى زعل الرجل من نفسه واحتقارها أحيانا. كانت الانتخابات النيابية على أساس الصوت الواحد بدون برامج منذ 17 سنة الأخيرة بيئة خصبة لزرع الخلافات بين الناس وبيئة لتقصير مدى الرؤيا و تقزيم الفكر وحملته على عكس المأمول منها في إثراء الفكر وتطوير الرأي والرؤيا.
يجب توفير الحماية الكاملة للمرشح والناخب من خلال فرض القانون وإعادة هيبته ومن خلال عدم مجاملة أي شخص مهما كانت حظوته وسطوته ومهما كبر صيوانة الانتخابي, وعلى الحكومة أن تعلن على الملا وبكلمات صادقة قوية مدعومة بلغة الجدية في البحث والتحري بان انتخاب الناس لشخص ما لن يترتب علية مكاسب لهم في التعيينات والترقيات أو المحاصصة في جسم الدولة. إن بعض من وصلوا إلى مجلس النواب وكثر ترددهم علية لم يكونوا على ما كانوا علية لولا استخدامهم لنفوذهم بما يقنع الناس بأنهم سوف يحققون لهم المكاسب ولولا ما يملكون من مال حصلوا علية من ارض الدولة في شراء الذمم واستغلال حاجة الناس . في الانتخابات النيابية يركن بعض المرشحين والراغبين بالترشح من غير ذوي الحظوة إلى القول البغيض ( إن شفتها سخرة خليها معونة) على اعتبار أن المنافس ناجح لا محالة, كيف لا وهو المرضى عنة من قبل الحكومة, وهو ابن الحكومة, وهو من يملك المال ويدفع للناخبين , وهو إن وعد بوظيفة أو منصب أوفى بوعده , وهو إن عانده احد حطمة. ألا ترى الحكومة أن في ذلك تخريبا للنفوس وتشويها لكل معاني الرجولة و الإنسانية, ألا ترى بان شعبنا يستحق أن يكون عزيزا رافعا راسة غير قابل للابتزاز. لقد حققت انتخابات مجلس النواب لسنة 1989 درجة عالية من النزاهة مقارنة بما بعدها, ولم يكن ذلك بناءا على شعار رفعته الحكومة لكنة كان في (غفلة من الحكومة) ولارتكاز الناخب في اختياره إلى بقايا من الثوابت التي لم تتمكن السياسة من تدجينها حتى ذلك التاريخ, والدليل على ذلك ما ترتب على تلك الانتخابات من مجلس قوي لم يهادن الحكومة ولم تستطع شرائه, فانتبهت الحكومة لذلك وبعد دراسة مستفيضة وتلقى مشورات وحضور دورات في إدارة الانتخابات بحيث تكون النتائج محسومة لصالح الحكومة, أقرت الحكومة قانون الصوت الواحد بموازاة تدخل رسمي واضح في مجريات الانتخابات وابسط ما في هذا التدخل - اتركوا أصحاب البرامج فهم غير مرضى عنهم وهم لن يفوزوا في الانتخابات وهم إذا فازوا سوف يجلبون المشاكل وعلى اقل تقدير سوف تزعل الحكومة من المناطق التي تفرزهم فتقل التعيينات والخدمات ولن يكون من هذه المناطق وزراء أو مدراء - وفى ضل هذه الأقاويل و التاويل و اللغو صات اتجه الناخب لمصلحته ( طالما أنة لن يكون هناك برلمان وطن ولن يكون البرلمان مؤثرا فيما تقرره الحكومة) فرأينا أعضاء برلمان اقل ما يقال عنهم أنهم لا يستحقون جلوسهم في المجلس, فافرز ضعف النائب سعيا وراء الكسب الرخيص وتواجدا دائما على أبواب المسئولين بانتظار تعيين عامل أو الحصول على أعطية تحت غطاء مساعدة أبناء دائرته. إن النتيجة الحتمية لهكذا نهج مشوه هي خراب النفوس وخراب المجلس , كل هذه ( التضحية العظيمة) للحصول على منفعة رخيصة هي موافقة المجلس على خطة الحكومة وعدم إزعاجها. وكانت النتائج كما نراها ضعفا عاما و أوراما عامة تشبه تلك المفضية للموت في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية, وفوق كل ذلك ازداد لهاثنا خلف النمط الامريكى والغربي في إدارة حياتنا وما يترتب علية من شعار اخذ الشباب دورهم في القيادة بعد تلقينهم الممنهج بهذا النمط وربطهم بة كونه نمط بلا ثوابت بل أنة متغير بحسب تغير المصلحة , وهكذا نمط يفيد من يعتمد في حصوله على موافقة الناس برهن مصلحتهم بة. إذا كانت الحكومة جادة في اهتمامها بجيل الشباب , عليها أن تبنى برنامجا وطنيا متكاملا يبدأ من عمر الطفولة يزرع الصدق والجدية والشفافية والمبادرة والشجاعة في إبداء الرأي وإعادة الثقة بشعارات الحكومة وتعزيز حب التنافس الشريف بعيدا عن الواسطة التي وصلت حتى علامات أطفال الروضات وإعادة الثقة بالنفس والثقافة واللغة وتحقير وازدراء كل مظاهر التفتيت والعصبية وإعادة الدور الباني المنتج للعشيرة وفوق كل ذلك ترسيخ وتعزيز حب الوطن و اعلائة فوق كل المنافع الشخصية, على الحكومة أن تعيد للجامعة دورها الوطني بدلا من الدور المتدني الذي نراه اليوم, عليها بالسعي الجاد لتعميق دور الفكر من خلال تشجيع العمل الحزبي بمختلف أبعادة ليبنى الحوار على أساس الفكر والرأي وفق ضوابط القانون وليس على أساس الهابط من الأفعال كما هو سائد الآن في كل جامعاتنا التي كان الأساس في بنائها الارتقاء بواقع طلبتها و محيطها.
د. عبداللة الرواشدة
drabdullah63@gmail.com
0795507156