الإخوان صاروا \"قهوجية\" عند البرادعي
مصر والخيار بين جمال مبارك ومحمد البرادعي
صلاح المومني
يا سلام ... سلم ...
قرأت الخبر اليوم وكان واضحاً لا لبس فيه ويفيد بأن الإخوان سيشاركون بجمع التوقيعات لمشروع البرادعي الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذرية الدولية والذي يحمل شعار التغيير، وعراب الحرب على العراق ، وشاهد أسلحة الدمار الشامل لدى إدارة بوش الابن، والذي ترك منصبه ليعود إلى مصر -الأخ تذكر أنه عربي وأن مصر هي أمه التي أرضعته- وأنه وجب التغيير في مصر، في سياستها واقتصادها وفي المجتمع المصري، وما أدري ما الذي يجعله خبيراً في التغيير على مستوى دولة كمصر، إلا إن كان التغيير على طريقة التغيير الدموي في العراق ، فكامل علمي أنه مختص في مجال الذرة أو في أحد التخصصات العلمية، وأن الدكتور البرادعي لا علاقة له بالسياسة، وكان دوره في التفتيش داخل العراق على أسلحة الدمار الشامل فقط، وهذه مهمة تقنية مهنية أولاً وآخراً وليست سياسية بذاتها –ليته أبقاها في حدود المهنية- ، وكان يفتش عن تلك الأسلحة حتى في الملابس الداخلية لصدام وعائلته –يبدو أن البرنامج النووي العراقي كان دقيقاً إلى حد إمكانية إخفائه في كلسون الرئيس العراقي أو أحد أفراد العائلة- ، ثم ذهب الدكتور البرادعي بتقريره أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأنه يشاطر الإدارة الأمريكية آنذاك خوفه على الدول الصديقة والجارة من الرئيس الأرعن \"صدام حسين\" وأنه لا بد من وضع حد لغطرسة الرئيس العراقي ، والمخجل أنه كان يقدم تقريره وفق مقاييس إدارة بوش لتبرير الحرب على العراق، لا وفق مهنية منصبه والدليل على ذلك ما كان من موقف بليكس الذي رفض أن يغالط مهنيته لإطاعة إدارة بوش.
هانحن كلنا شهدنا سقوط بغداد ، ورحل الرئيس العراقي وأعدم بطريقة شريرة لا نقبلها حتى للحيوانات ، وتبين أن كل الشهادات التي قدمت مزورة ، وأن البرادعي كان عرّاباً للحرب على العراق ، ثم استبيح العراق بكل ما فيه من شرقه إلى غربه وشماله حتى جنوبه ، ولم نر إلا الدماء والدمار والأرامل والأيتام ، وليس هناك إلا المزيد من هتك العرض وتقويض عرى الوحدة وقتل ما تبقى من روح عربية تجمع العراقيين.
كلنا رأينا هذا الدمار والقتل الجماعي، ولم يخرج الدكتور البرادعي بأي بيان لينفي أنه جزء من مؤامرة كان \"حضرته\" مطية غيره فيها ليصل إلى عمق البيت العربي ، وكان \"سيادته\" أول من يقدم على تفكيك بنيان دولة كانت قائمة كالمارد في المنطقة العربية ، ثم رأيناه –البرادعي- يحزم أمتعته ليعود إلى مصر ببرنامج تغيير حسب ما يدعي ليقدمه للشعب المصري المغلوب على أمره والذي ذاق المرّ والعلقم تحت حكم الرئيس مبارك وإدارته السيئة وخروجه على الصف العربي.
ما يؤسفنا في هذا الأمر الكثير، فالبرادعي ليس مواطناً عادياً رجع لبلاده ليخدمها، فهو مزدوج الجنسية ويريد أن يشغل أعلى منصب في البلاد ، وفي هذه الحالة لن يستطيع التوفيق لو تعارضت مصالح مصر مع الولايات المتحدة وهذا يتنافى مع الدستور والقانون إن لم يكن نصاً فروحاً. كذلك، الرجل وبحكم عمله السابق تسبب في دمار بلد عربي –العراق- وتنصيبه رئيساً لمصر يضيف الكثير من الحساسية حيث أن دوره كان واضحاً واحتلال العراق ليست قضية سياسية فقط ، بل هي جنائية أيضاً حتى لو اعتبرنا أن مئات الآلاف من الذين أبيدوا هم ليسوا بشراً بل مخلوقات أخر ، ولا ندري فقد يأتي اليوم الذي يمثل فيه كل الذين شاركوا في حرب الإبادة تلك أمام محكمة لاهاي أو أي محكمة أخرى ، وبالتأكيد الدكتور البرادعي سيكون أحد هؤلاء لا استثناء حينها لأحد.
وجود البرادعي في أعلى سلم للحكم يضع الكثير من التساؤلات على دور مصر القومي والإقليمي ، إلا إن كان البرادعي سيأتي بثوب \"المندوب السامي\" لدولة أخرى، وهنا سيكون الوضع أسوأ بكثير حيث نتساءل عن استقلال مصر حقيقة، كما نتساءل عن طبيعة المرحلة القادمة وخصوصاً ما يتعلق بمشروع التجزأة –دولة قبطية- ودولة جنوب السودان ، ومسألة احتلال منابع النيل وتسخير المياه لصالح إسرائيل، فهل سيكون دور البرادعي في المنطقة وفق هذه الأجندة؟ سنرى!!
الأمر الآخر الذي يقتلنا أسفاً وحسرة هو أن الخيار سيكون بين سيئين ، البرادعي وأجندته المشبوهة، وجمال مبارك الذي امتص دم وخيرات مصر، وسيتم هذا العمل لو تمكن من الوصول إلى الحكم بانتخابات ستكون مزورة بالتأكيد.
هذه كلها أمور تسوؤنا ، لكن ما يذبحنا من الوريد إلى الوريد هو تحول جماعة الإخوان المسلمين من دور الريادة والقيادة لتصبح الجماعة بكل مقوماتها وشخصياتها \"قهوجية\" لمهدي مصر المنتظر ولمسيحها القادم \"البرادعي\" بقبولهم بجمع التوقيعات له ولبرنامجه، أليس عجيباً أن تسخَّر جماعة بكل ما ومن فيها لأجندة شخص نعرفه وتعرفه الجماعة نفسها ، وتتنازل عن منهجها الذي بنته طوال عقود ؟ غريب هذا أليس كذلك؟
نأسف لمثل هذا الموقف إن صح عن الجماعة ونوابها في مجلس الشعب المصري ، ونتمنى أن لا يكون ، لأنني أظن حينها أن الإمام الشهيد –بإذن الله- حسن البنا الذي أمضى عمره ودفع حياته ثمناً لاستقلال مصر ، أظن أنه سيموت ميتة أخرى، وسيندم في قبره أن أنشأ مثل هذه الجماعة.
أجل ، هذه خطوة تشبه تلويث يد زعيم الإخوان السوري حينما صافح خدام في عاصمة أوروبية للإطاحة بنظام سورية ولحساب من؟ لحساب الغادري الذي تمسح بالكنيست الإسرائيلي واعداً سيدته إسرائيل بالمضي في مسلسل التنازلات.
تعس عبد الدولار والمنصب، وتعس كل من سعى للمجد على أشلاء أهله وخبزهم وقهرهم ... وتعس من يقبل أن يكون مطية لطروحات لا تخدم إلا الاستعمار الجديد.
أيها المصريون ، أعيدوا البرادعي وأعيدوا كل من يأتيكم بالتغيير وفق أجندة أجنبية من حيث أتوا ... لأنهم وفق منهجهم سيكونون بديلاً لطموحاتنا وأحلامنا بالوحدة ، وسيكونون بالتأكيد على حساب حرياتنا وسيادتنا.
أيها العرب ... التغيير يكون تغييراً حقيقياً حينما يتم من عواصمنا في عواصمنا، عواصم العرب، وحينما يكون من أجل أهلنا ومصالح أمتنا، أمة العرب، لا أن يكون ورقاً وحبراً سرياً واتفاقيات أبرمت في عواصم الغرب.
salaheddin1@yahoo.com