لسنوات خلت ونحن نتفاخر أن الأردن هو بلد الأمن والأمان.. وبتنا نعيش على هودج عال ونحن لا نرغب أن ننظر ما يحصل حولنا، بل وقد نضع أيدينا على عيوننا لكي لا نرى ما يحدث مع أننا نسمع به ونحسه كل يوم، ولكننا استمتعنا بعبارة بلد الأمن والأمان ...
في السنوات الثلاث الماضية بدأت تتزايد حالات العنف الداخلي لدينا وبتنا نسمع ونقرأ يومياً عن حالات قتل ناتجة عن جرائم متعددة منها جرائم استمتع فاعلوها بتسميتها (جرائم شرف) من أجل الهروب من عقابها أو تخفيضه إلى أدنى حد ممكن.. وهناك جرائم السفاح وجرائم السرقة وجرائم القتل نتيجة المشاجرات الطلابية والتي كان السببان الرئيسيان فيها العشائرية والجنس.. كما أن حالات الانتحار تضاعفت بشكل ملحوظ من محاولات انتحار إلى انتحار فعلي.. هذا عدا عن الحالات المتزايدة من الاعتداء على قوى الأمن....
ومع أن كثيراً من المقالات كتبت على هذا الصعيد إلا أن الجواب كان أن هذه الحالات كانت دائما موجودة في المجتمع وأن الصحافة الاكترونية أظهرتها وسلطت الأضواء عليها فقط .. وبما أننا لا نملك الإحصائيات فقد انتظرنا حتى ظهر أخيراً تقرير معهد الاقتصاد والسلام الأمريكي والذي وضع الأردن في المرتبة التاسعة عربيا حتى بعد مصر والمغرب من حيث السلم والأمان في العالم ، كما وضعها في المرتبة 68 عالميا من أصل 149 دولة آخرها العراق ....ويأتي ترتيب سلم الدول بناء على 23 معياراً من بينها الجرائم بشكل عام وانتشار السلاح بين الأفراد وعدد السجناء في الدولة ومعايير أخرى .....
إن انتشار الجريمة في الأردن لا بد وأن له أبعاد خطيرة على مستقبل الوطن اجتماعياً واقتصادياً.. فتفاخرنا بواقع أننا بلد الأمن والأمان كان مصدراً لاستثمارات مهمة داخل الوطن تدر علينا عوائد مالية لخزينة الدولة وتزيد من فرص عمل الشباب مع ارتفاع مؤشرات النمو في قطاع السياحة... وغياب هذه الاستثمارات سيزيد من البطالة التي ستزيد بدورها في ازدياد نسبة الجريمة.. وهكذا سنجد أننا نعيش حلقة مفرغة لا بد من كسر أحد حلقاتها حتى نخرج من بوتقتها المدمرة .....
وهنا يأتي دور قيادات المجتمع، كل في موقعه، لبث الصحوة ومصارحة الشعب بأن الوضع في تدهور وأن على الشعب مواجهة واقعه. فالأردن ليس بلداً ذو موارد كثيرة، ازدهاره جاء من الوضع السياسي الخاص به ومن واقع قيادته الحكيمة، كان على حكوماته المتعاقبة أن تجعل منه بلد خدمات للدول الغنية من حوله وهو ما لم يحصل بالدرجة الكافية منذ البداية. أهم وزاراته كان يجب أن تكون وزارة للمغتربين، وهو ما لم يحصل حتى الآن. عشائريته أصبحت بدون قيادات فاعلة ومؤثرة على أبناء العشائر فأصبحت تستفيد من موارد الدولة ولا تفيد في زيادة أمنها الداخلي . السلاح بين يدي الكثير من أبنائه أصبح لا يجر سوى النزاع، وليس لوجوده أي فائدة واستئصاله هو أحد ركائز أي نظام ديمقراطي حديث.. تحديث قوانينه أصبح حاجة ماسة، تفعيل دستوره أصبح ركناً حيويا ليسود العدل الاجتماعي الجميع... ولا ننسى أن (نبذ) جزء كبير من المواطنين بحجة الأصول والفروع أو باسم الوطن البديل هو معول هدم لا معول بناء.....
نحن أمام اختيار خطير في مجتمعنا ونحن نرى حاضره ونتلمس مستقبله. فإما أن يصحوا قادة المجتمع على ما هم مقبلون عليه أو أن يتحملوا وزر وطن هم قائدوه إلى الحضيض.