زاد الاردن الاخباري -
يعيش "تامر حسني" وهو يملك القدرة على أن يظل دائما داخل دائرة الضوء، باعتباره نجما له دائرته من الجاذبية التي يزداد قطرها مع الأيام، وكلما اتسعت مظلته الجماهيرية استطاعت أن تحيله إلى رقم في توزيع الأشرطة، وإقبال الجمهور على الحفل، وأيضا شباك التذاكر في السينما.
والسينما تحديدا تستطيع أن تعتبرها هي الملعب الذي ينفرد فيه بالتألق وإحراز الأهداف. "تامر حسني" هو المطرب الوحيد في العالم العربي الآن الذي تصنع له أفلام كل موسم، وهو صاحب الكلمة العليا في الفيلم السينمائي، والجمهور لا شك أنه يقبل على أفلام "تامر"، والأمر لا يمكن أن نعتبره مجرد تحصيل حاصل، فهو مطرب ناجح إذن، هو ممثل ناجح، المعادلة لا تستقيم دائما على هذا النحو.
في الماضي كان من الممكن أن تصدق هذه المعادلة مثلا "عبد الحليم حافظ" عندما نجحت له أغنية "على قد الشوق اللي في عيوني يا جميل سلم" صنع له المخرج "إبراهيم عمارة" أول أفلامه "لحن الوفاء". الأغنية انطلقت في عام 1954 والفيلم تم تصويره بعدها بعام، وبدأت سلسلة نجاحات "عبد الحليم" في السينما؛ حيث قدم 15 فيلما من أكثر الأفلام الغنائية في تاريخنا جماهيرية.
في الماضي بالفعل كان الناس يذهبون ليشاهدوا مطربهم المفضل في السينما؛ إذ لم يكن لديهم طريق آخر لمشاهدة المطرب إلا عن طريق الحفل الغنائي.. حتى مع بداية إنشاء التلفزيون في مصر والعالم العربي منذ مطلع الستينيات لم تكن الأغنية التلفزيونية معروفة، كانت هناك فقط أغنية الحفل، أو أغنية الفيلم وجاء "الفيديو كليب" ليضع الفيلم الغنائي في مأزق، فما هو الجديد الذي سوف يراه الجمهور متجاوزا شريط الفيديو كليب، ولهذا فإن أغلب مطربي هذا الزمن بما فيهم "عمرو دياب" على اعتبار أنه الأشهر لم تنجح تجاربهم السينمائية.
كل المطربين قدموا أفلاما مع اختلاف مستوى النجاح الجماهيري بالمعنى المباشر لكلمة النجاح، والذي يتم ترجمته بالأرقام في شباك التذاكر كان فقط في السنوات الأخيرة من نصيب "تامر حسني" وليس الأمر صدفة أن "عمر وسلمى" في جزأيه يحققان تلك الأرقام في الموسمين التاليين، بل الجزء الثاني ارتفع الرقم متجاوزا الأول وكان بينهما أيضا "كابتن هيما" الذي حقق قدرا لا ينكر من النجاح.
معنى ذلك أن جمهور "تامر" لا يكتفي بمشاهدة مطربه المفضل في الحفل، ولكنه يطارده أيضا في دور العرض.. ورغم ذلك وحتى الآن لم أر "تامر" ممثلا.. في كل أفلامه السابقة حتى آخر أفلامه "نور عيني" هو "تامر" بكل مفرداته التقليدية.. لا يكتفي "تامر" كعادته بالتمثيل الذي لا يجيده، ولكنه أيضا يكتب قصص أفلامه، وفي رواية أخرى فهو أيضا يقترح إخراج المشهد، فهو له تجربة سابقة في إخراج الفيديو كليب، و"تامر" بالفعل يعتبر نفسه متعدد الأوجه في التعبير الفني، فهو مؤلف، وعازف، وملحن، ومطرب، وموزع، وأضاف أيضا لكل المهن السابقة مهنة التأليف الدرامي، وهي من الواضح مهنة لم تكلفه شيئا، فلو ألقيت نظرة على قصة فيلم "نور عيني" لن تجد فيها أي ابتكار، ولكن قص ولزق من أفلام سابقة.
مطرب صاعد بالطبع يؤدي دوره "تامر" يلتقي مع فتاة ضريرة "منة شلبي" يحبها، وتعتقد هي في لحظة ما أنه يشفق عليها وعندما تتركه ويعود إليها بصرها بعد عملية جراحية ترتبط عاطفيا بأعز أصدقائه الذي أدى دوره "عمرو يوسف" وتلتقي في القاهرة مع حبيبها السابق وصديق زوجها، ورغم ذلك لا تعرفه رغم أن الضرير لديه دائما حواس مثل السمع والشم واللمس تعوضه عن افتقاد حاسة الإبصار يستطيع أن يكتشف من خلالها الأشخاص، وعندما تعود إليه الرؤية، كما حدث مع بطلة الفيلم "منة شلبي" فإن هذا لا يعني أن يفقد الإنسان ما اكتسبه عن طريق الحواس الأخرى، ولكن هكذا تخيل كاتبنا الدرامي الشاب أن البطلة سوف تفقد حواسها الثلاث الأخرى بمجرد أن عادت إليها الرؤية البصرية؛ إلا أنه في النهاية لم ينسَ أن يضع رقصة ثلاثية يشترك فيها "تامر حسني" و"منة شلبي" والصديق الطبيب "عمرو يوسف" والغريب أنه كان أكثر الثلاثة سعادة برغم أن حالته كانت تستدعي الرثاء له فهو فقد حبيبته.
لا ينسى "تامر" في قصته السينمائية أن يضع خطا دراميا للعائلة، فهو المسؤول عن شقيقه المدمن بعد رحيل أمه وغياب أبيه.. أدى دور الشقيق الوجه الجديد "إسلام جمال".. وبالبيت خادمة أدت دورها "مروة عبد المنعم" التي صارت إحدى تمائم أفلام "تامر".. دائما لها دور المفروض أنها الكوميديانة.. أكرر المفروض لأن ما شاهدته لا علاقة له بفن الكوميديا.. وينتهي الأمر برحيل الأخ بعد أن فشلت كل محاولات إصلاحه رغم كل محاولات "تامر" المضنية في هذا المجال، من الواضح أن كاتب السيناريو "أحمد عبد الفتاح" لم يفعل شيئا سوى أن يحيل أفكار "تامر" الشفهية إلى مشاهد درامية!.
لن تشعر بأي بصمة للمخرج "وائل إحسان" كل شيء في هذا الفيلم سبق تجهيزه الدرامي من قبل حتى الأغاني التي قدمها "تامر" لم تحمل أي نبض جديد، ولكن الحاصل هو أن هناك إقبالا جماهيريا على الفيلم، وحقق "تامر" إيرادات تؤهله لمواصلة الطريق السينمائي كنجم له شباك، وهو ما فشل فيه كل مطربي جيله والأجيال السابقة له فلم تعد السينما تراهن عليهم.
الناس تتسامح مع مطربها المفضل وتصدقه وتأتي إليه في السينما؛ إلا أن كل ذلك يظل داخل إطار مرهون بأن هناك قوة دفع بينه وبين الجمهور.. رصيد "تامر" السابق يلعب دورا في جاذبية الشباك وتلك الكيميائية التي تحققت بينه وبين الكاميرا لا يمكن إنكارها.. ولكن عليه أن يراهن على الممثل بداخله ويدعمه مثلما استطاع "عبد الحليم" أن يطور في أدواته في سنواته الأخيرة، بل واتفق مع المخرج "كمال الشيخ" أن يقدم فيلما بلا أغنيات، و"تامر" عليه أن يبحث عن الممثل بداخله، وأول ما ينبغي له أن يفعله أن يعتزل تماما مهنة التأليف الدرامي ويترك التأليف لخبازيه حتى ولو أكلوا نصف الرغيف، وفي نفس الوقت عليه أن يسمح بروح ورؤية المخرج الذي يضيف له ومع الأسف لم أر أي بصمة للمخرج "وائل إحسان" الذي أطلق عليه "تامر" بعد الفيلم اسم "وائل إحساس"؛ إلا أني لم أجد هذا الإحساس طوال الشريط السينمائي الذي حمل اسم "نور عيني"!.
mbc