تعتبر التنمية السياسية بأنها: الزيادة في مستوى التمايز البنيوي والتخصص الوظيفي في النظام السياسي، والذي يمكنه من الاستجابة لمختلف الحاجات الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع.
كما انها \"زيادة النظام السياسي في قدراته، من حيث تسيير الشؤون العامة وضبط النزاعات وتلبية المطالب، والزيادة في التوجه نحو المساواة من خلال المشاركة السياسية والانتقال من ثقافة الخضوع إلى ثقافة المشاركة، سواء من خلال طرق ديمقراطية (الاقتراع العام)، او من خلال زيادة مساحات التعبئة السياسية ، إضافة إلى التعين في المناصب العامة على أساس الجدارة .
لكل بلد في العالم بيئته وظروفه الخاصة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي أفرزتها، لذا يجب التعرف عليها بشكل عميق للتعامل مع تلك الظروف من خلال الاحزاب السياسية والتقدم نحو التنمية والتحديث. ولان تدهور وضعف الأحزاب في أي بلد وانعدام فعاليتها يسهم في تكريس التخلف والمعاناة للشعوب .
وتشير الدراسات الى ان الاحزاب السياسية أخفقت في تحقيق التنمية في العالم الثالث وفشلت في بناء تنظيمات حزبية قادرة على قيادة عملية التنمية بكفاية والمشاركة الفاعلة لمصلحة الوطن والمواطن . ان أزمة الهوية تحدث عندما يصعب انصهار كافة أفراد المجتمع في بوتقة واحدة، لتتجاوز انتماءاتهم التقليدية او الضيقة، وتتغلب على آثار الانتقال الى المجتمع العصري بتعقيداته المختلفة وحداثتة ،بحيث يشعرون بالانتماء الى ذلك المجتمع والتوحد معه والدفاع عن قضاياة .
وعملية التنمية السياسية تعزز الاستقرار العام والسلم الاجتماعي والبناء الوطني ومن وسائل تحقيق التنمية السياسية ، تطوير القوانين الناظمة للشؤون العامة، و تحفيز المشاركة الشعبية، وإعادة تنظيم الهياكل المؤسسية العامة، والانتقال بمفاهيم التكيف والولاء والانتماء والمشاركة من مراحلها النظرية، إلى حيز التطبيق الذي ينظم العلاقة بين الأفراد والجماعات، وبين الدولة في ضوء مصالح الوطن .
ليس من شك أن الاصلاح السياسي يعني التطور الديمقراطي وديمقراطية بعض المؤسسات التي تعتبر عصب رئيسي في قضية التنمية السياسية, لكن التنمية السياسية أوسع وأشمل لأنها لا تقتصر على ديمقراطية قانونية أي على الانتخابات وحرية التصويت وبعض الحريات السياسية الأخرى, وإنما تشمل التنشئة السياسية, والوعي والثقافة العامة متعددة الاشكال , والمشاركة الوطنية بفاعلية نحو حقوق الانسان, والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي وتدني مستوى الفساد والطائفية والمحسوبية والجهوية وغيرها .
ان اغفال المشاركة الواعية والتعددية كان لة ضريبته السياسية والاجتماعية على حد سواء, فلم تعد للأحزاب والحركات السياسية اليوم القدرة على مواجهة التصاعد الطائفي والجهوي بالشكل المطلوب فالمواجهة لم ولن تخرج عن حدودها الاعلامية أما المواجهة الحقيقية فسوف تكبد هذه الاحزاب خسائر فادحة قد تطال وجودها في بعض الاحيان فعندما لا تشكل الثقافة السياسية والحزبية أهمية عند المشتغلين بالاصلاح السياسي, يبحث المجتمع عن هوية أخرى يستمد من خلالها ثقافته السياسية, وهنا تبرز القبيلة والعشيرة والمناطقية والطائفية وغيرها .
أن اهمال قضايا التنشئة والثقافة السياسيتين وهو بمعنى آخر اهمال القيم والثقافة الوطنية المشتركة , ما استغل لخلق حالة اللااستقرار السياسي مما يجعل اهمية الحديث عن مشروع وطني اصلاحي لمختلف القوى السياسية صعب المنال احيانا والانشغال بالنقد الداخلي.
وياتي دور الأحزاب اداة الفعل السياسي الأساسي في المجتمع والتغيير المجتمعى خاصة و أن الدولة ممكن ان تستمد منها قوتها وتوجهها لمصلحة الوطن والمواطن ولتحقيق رؤى القائد والقوى الغيورة لوطن اقوى وامتن . ومن الممكن ان تستمد الأحزاب قوتها من قوة الدولة ، فالدولة القوية هي حاضنة الاحزاب القوية.فبرامج الأحزاب هي بمثابة المحصلة والبوصلة التي تحدد خارطة الطريق لمسيرة الوطن والمشروع النهضوي الوطني.
فتقوم فلسفة الحزب على المسئولية الجماعية للمجتمع والدولة نحو الأفراد. و المعروف أن القيم والمبادئ الإسلامية تدعم هذا التوجه وتشمل قيم ومبادئ الحزب الاساسية حقوق الانسان والحق في العمل والتعليم والصحة والمياه والسكن والعدالة الإجتماعية، والمساواة في الفرص..ان الحديث عن دور الأحزاب في الإصلاح السياسي في المنطقة العربية يجبرنا على الخوض في عنوان عريض هو الديمقراطية في الوطن العربي، فلا يمكن أن نتحدث عن أي إصلاحات سياسية أو اقتصادية أو حتى اجتماعية وثقافية دون الغوص في تفاصيل الديمقراطية السائدة في عالمنا العربي والمشاركة بصورة فاعلة وحقيقية في هذه العملية، لا أن يكون دورها مجرد ديكور ديمقراطي جميل لا يستر عورة الديمقراطية التي تعتبر تراث أنساني قائم على أساس المساواة الكاملة بين المواطنين لان المواطن الملتزم بقيم الديمقراطية لا يقبل الاستبداد والاستعباد بحق الآخرين وهذا سيكرس مبادئ المجتمع الديمقراطي المبني على المساواة والكرامة والحرية الذي يفرض سيادة العدل .
الكاتب : علي يوسف المومني aliyos6@yahoo.com