لطالما أتذكر جدتي وهي تخرج حفنات من القمح من الكوارة ، أو من احد الشوالات المتراكمة في ذلك المخزن المبني من القش والطين .
تملأ تنكة السمنة الفارغة من القمح وتقربها منها بعد أن تكون قد قربت منها الرحى ، فتضع القمح رويدا رويدا في فوهة الرحى ، وتبدأ عملية الطحن والدوران .
هوايتي كانت أتذاك أن اجلس بقربها أراقبها واجمع لها حبات القمح المتناثرة من فوهة الرحى أو من بين يديها أثناء عملية ملأ الرحى ، حتى إذا ناداها احدهم أو ذهبت لأمر غافلتها وحاولت أن أمارس عملية الطحن بنفسي ، وان كانت وقتها عضلاتي ضعيفة وان كنت أيضا استعمل كلتا يداي لمسك قضيب الرحى إلا إني لم أكن أقوى على التحريك واللف . فأستسلم وأعود لجمع الحبات المتاثرة من جديد .
في معترك الحياة وظروفها وتقلباتها وعواصفها ، ومع كل هذا الضنك ، نجد أنفسنا مثل حبات القمح تلك ، بعضنا في فوهة الرحى ، وبعضنا الآخر يتناثر حولها ويسقط ، يظن نفسه نجا ، لكن هناك من يجمعنا ويعيدنا إلى فوهة الرحى لا محالة . بعضنا الآخر ما زال في الكوارة ينتظر دوره أن يجيء .
على الرغم من أني احن إلى رحى جدتي ، إلا إني حقيقة مللت من رحى الحياة .
المحامي خلدون محمد الرواشدة
Khaldon00f@yahoo.com