صدرت اليوم حزمة الإجراءات التي أطلق عليها \" تحفيزية \" من وجهة نظر وزير المالية الأكرم ، هذه الحزمة التي تحمل في ثناياها الكثير من التناقضات وتبشر بمستقبل مظلم للاقتصاد الأردني القائم على لقمة العيش وعل جيوب الشعب \" الكحيان\" ، وهي أصبحت عادة لحكوماتنا المبجلة ولأصحاب القرار فيها بان تتخذ إجراءات لرفع الأسعار قبل شهر رمضان المبارك من ناحية أخرى .
إن حزمة الإجراءات بعيدة كل البعد عن التحفيز بل هي معيقة للطلب وللاستثمار وللإنتاج وهي المكونات الرئيسية للنمو الاقتصادي، فارتفاع الأسعار الناجم عن ارتفاع الضرائب ومبدأ الجباية الذي تتخده الحكومة الرشيدة ، لا يعني أي انعكاس للطلب الذي ينظر إليه المحرك للاقتصاد ، وإنما سيعتبر هذه الارتفاع سبباً مباشراً لهروب رأس المال المحلي والأجنبي ، وحتى تخفيض الاستهلاك إلى أدنى مستوى الذي سينعكس على الإنتاج وعلى الاستثمار وعلى معدلات النمو الاقتصادي المحلي .
إن حزمة الإجراءات التي أقرها وزير المالية صباح اليوم ، تضمنت في شقها الأول مجموعة من الضرائب التي تكرس أسلوب الجباية الذي اتخذته الحكومة عنواناً لها منذ اليوم الأول ولتحقيق فكرة الاعتماد على الذات وتكريس مبدأ ترشيد النفقات على حساب الإطاحة بالمستهلك البسيط الذي هو هدف كل سياسة مالية أو اقتصادية في حكوماتنا . ورغم الأثر المالي الكبير الذي تخلفه هذه الضرائب على الخزينة العامة للدولة ، إلا أنها قرارات غير شعبية كما قيل عنها وتعبر عن عشوائية في القرار الاقتصادي الحكومي ، وحتى في منطق الفكر الاقتصادي لديه ، وعدم اللجوء إلى استخدام فكرة تحليل الحساسية عند فرض المزيد من الضرائب التي تمش حياة الأفراد البسطاء .
إن الارتفاع الذي تخلفه هذه الضريبة على أسعار البترول بنسبة 18%- 24% ستترك مجموعة من الآثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية المؤخرة والتي تمس كافة النشاطات الحياتية والقطاعات الاقتصادية ، وهي الآثار التي قد تقوض من البناء الاقتصادي لأي دولة مهما كبرت أو صغرت ؛ رغم أنه قد قيل بأن هذه القرارات لن تمس حياة الأفراد الفراء ومحرومي الدخل ، ومن وجهة نظر الحكومة فإن أي مواطن يمتلك سيارة \" كيا سيفيا بيضا | ب 3000 دينار لا يعتبر فقيراً أو من محدودي الدخل ، وإنما يعتبر إنسان مترف يجب قصقصة جناحاته بفرض المزيد من الضرائب عليه حتى يبيع الكيا ويشتري \"حمار \" لكم العذر والسماحة ، وهنا يصبح فقيراً ولن تمسه قرارات الحكومة الرشيدة .
بكل تأكيد سيكون الارتفاع السعري في البترول ذا أثر سلبي على المستوردين وعلى منتجي السلع والخدمات المحليين بسبب ارتفاع الكلف المرتبة عليهم ، ولكنه لن يحمل أي أثر إيجابي على النمو الاقتصادي وعلى الرفاه الاجتماعي ، فثقافة الاستهلاك لدينا لن تعكس حسن الاستغلال والتخصيص للبترول ، وبالتالي لن تكون في صالح المستهلك المحلي .
السمة البارزة هي ارتفاع الأسعار في جميع القطاعات الاقتصادية ، وهي ستكون أحد أهم الأسباب المسؤولة عن تراجع معدلات النمو الاقتصادي ، وانحسار حجم النشاط الاقتصادي خلال ما تبقى من العام الحالي ،فمن غير الممكن في ظل هذه الإجراءات الوصول إلى معدل نمو اقتصادي 4% ولا حتى 2% ، وربما أمكن التوصل إلى تلك النتيجة من خلال مراجعة مجموعة من المؤشرات الاقتصادية الكلية السابقة الخاصة بمعدل التضخم في عام 2008 ، ومعدل النمو الاقتصادي ، ومعدل القوة الشرائية لدخل الفرد .
ضريبة المبيعات الخاصة على البنزين وتشمل : 1- تعديل ضريبة المبيعات الخاصة على البنزين اوكتان 90 من نسبة 6% إلى 18%. 2- تعديل ضريبة المبيعات الخاصة على البنزين اوكتان 95 من نسبة 6% إلى 24%.
ضريبة المبيعات الخاصة على التبغ ومصنوعاتة وتشمل : 1- زيادة ضريبة المبيعات الخاصة على التمباك من (3000) فلس/كغم إلى (3300) فلس/كغم. 2- زيادة ضريبة المبيعات الخاصة على السجائر (50) فلس لكل علبة (20) سيجارة . 3- زيادة ضريبة المبيعات الخاصة على السيجار من نسبة (12%) إلى (15%).
ضريبة المبيعات الخاصة على المشروبات الكحولية وتشمل : 1- زيادة ضريبة المبيعات الخاصة على الجعة (البيرة) من (1250) فلس/لتر إلى (1400) فلس/لتر. 2- زيادة ضريبة المبيعات الخاصة على المشروبات الكحولية من (2250) فلس/لتر إلى (2500) فلس/لتر.
ضريبة المبيعات الخاصة على الهواتف الخلوية وتشمل : 1-تعديل ضريبة المبيعات الخاصة على الهواتف المتنقلة من (8%) إلى (12%). 2-تخفيض وتوحيد ضريبة المبيعات على خدمات الانترنت إلى نسبة (8%) بغض النظر عن التكنولوجيا المستخدمة أو الجهة المستفيدة.
الرسوم الجمركية وضريبة المبيعات على البن وتشمل : 1-إلغاء إعفاء البن من الرسوم الجمركية والبالغة (20%) من الكلفة. 2-إلغاء إعفاء البن من ضريبة المبيعات العامة والبالغة (16%) من القيمة.
نؤيد وبشدة فرض حزمة الضرائب الأخرى على التبغ والمشروبات الكحولية والتبغ والسجائر لأسباب لا تتعلق بالتعاطف مع الحكومة وإنما قد تكون لأساب ومبادئ أخلاقية راسخة لدى عموم الناس ، ولكن الضرائب على الهواتف الخلوية والبن قد تكون مضاعفة بسبب الضريبة الخاصة على البنزين من جهة ، ومن الضريبة المفروضة عليها من جانب آخر ، وهذا سيكون في صالح المنتجين على حساب المستهلكين وهنا بيت القصيد .
إن قرار تسعير المشتقات النفطية هو ذو صبغة سياسية أكثر من كونه قرار اقتصادي ، يهدف إلى حُسن تخصيص الموارد الاقتصادية المحلية، أو حماية الاقتصاد الوطني من حالة عدم الاستقرار الاقتصادي ، ولكن يعتبر القرار في صميمه محاولة لتخفيف العبء المالي الذي تتحمله الحكومة ، وكذلك تعظيم الاستفادة من الفروق السعرية الناجمة عن تحرير الأسعار المحلية التي تصل سنوياً إلى مليار دولار ، والانسجام أيضاً مع قواعد الاقتصاد الحر التي تنتهجها الحكومة بشكل واضح .
الإجراءات التحفيزية ما هي إلا محصلة لمجموعة من السياسات الاقتصادية العشوائية والخاطئة التي اتخذتها الإدارات الاقتصادية الوطنية خلال السنوات الماضية ، وحيث لم تأخذ بالاعتبار خصوصية الاقتصاد الأردني ، وسياسات حماية المستهلك النهائي البسيط ، بل هدفت إلى دعم القطاعين الحكومي والخاص على حساب القطاع العائلي تحديداً .
إن هذه الضريبة الإضافية سوف تلغي أثر الانخفاض المتوقع في التسعيرة الشهرية للمشتقات ، وبالتالي سوف يحرم الاقتصاد والمستهلكين تحديداً من محاولة ترتيب أولويات الإنفاق لشهر قادم آخر يحمل في طياته الكثير من القدسية والروحانية ولتجعل الأردني دائماً مشغول البال والفكر في تأمين لقمة العيش ، ورغم الإجراءات التحفيزية الأخرى التي اتخذها معالي وزير المالية مشكوراً على برامح حزمة الأمان الاجتماعي إلا أنها تبقى نقطة في بحر كبير مما سببته السياسات المالية الجبائية من آثار سلبية .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com