على الطربق المؤدية الى البيت ووقت الظهيرة في صيف حار وباص مزدحم بالركاب نزل ابو محمد وبشكل مفاجىء للكنترول والسائق الذي علق عليه (هذا الراكب زي .. بيجي على غفله ) ،لم يأخذ ابو محمد بما سمع من الركاب والسائق والكنترول لأن هدفه هو صندوق من البندورة كتب عليه أن سعره نصف دينار ، وفي هذه الحالة سيقنع أم محمد أن تصنع منه الكثير من الطبخات للأفواه التي تنتظره في المنزل فهي ربة منزل مدبرة وتستطيع أن تصنع منه قلاية بندورة بالثوم وقلاية بندوره بالبصل وباذنجان وبندوره (مسكعه ) وقلاية بيض وبندوره ، وسلطة بندورة مع بصل وزيت والقليل من الملح ، وقف ابو محمد أمام البائع واخرج من جيبه نصف دينار وقال له أعطني بكسة البندورة وسارعه البائع قائلا أي وحدة تريد ام النصف أم الدينار قال أبو محمد لماذا هناك فرق ؟ أريد البكسة التي شاهدتها من الباص التي بها حبات بندورة مثل حبة الخوخ وقاسية قال البائع هذه سعرها دينار أما أم النصف دينار فهي هناك ونظر ابو محمد للبكسة ام النصف دينار ووجدها مخبصة ولا تصلح إلا للدواب ومع ذلك وبما تبقى في جيبه من قروش ستكفيه للوصول للمنزل في الباص القادم وافق على أخذها وهو يقنع نفسه إن أم محمد ستجد لها حل من مثل فرزها ووضع الحبات الجامدة على جنب والمهروسة ستصنع منها مية بندورة ، وقف أبو محمد ينتظر الباص وبعد زمن ليس بالقليل وصل الباص وصعد أبو محمد متجهاَ للمنزل والباص يسير على مهل يجمع الركاب بكل هدوء وأبو محمد يحضن الكيس الأسود في حضنه لعله يحافظ عليه من إهتزازات الباص العنيفة ، وفي النهاية وصل الباص لمكان نزول ابو محمد الذي وقف بكل شجاعة وهم بمغادرة الباص لكن الكنترول أوقفه وقال له مش عيب عليك زلمة بطول وعرض تعملها على حالك انظر للكرسي وأرضية الباص ، عندها وقف أبو محمد مدهوشا وفتح فمه ليتكلم وعصيت الكلمات عن الخروج ولملم نفسه ونزل من الباص والكل يراقبه وهو يسير مبعدا ما بين قدميه ، وسار أبو محمد في الدخلة المؤدية لمنزله الطيني وصبية الحارة ينظرون ما بين قدميه وعندها صاح بهم بصوته العالي ( يلعن أبوكم كلكم حلوا عني ) وسمعت أم محمد صوته يجلل في الدخلة ففتحت له الباب ليدخل بسرعة ، وعندما نظرت إليه ووجدت حاله هكذا قالت له مش مشكلة يا زلمه المهم انك روحت سالم ومعك كيس البندورة ، ناولها الكيس قائلا شوفي شو بدك تعملي منه ، أفرغت أم محمد ما يوجد في الكيس في صحن من البلاستيك ولم تجد سوى حبات بندورة مهروسة وبدون ماء ووقفت وقالت سأعمل منها مية بندورة وبكره إن شاء الله ستحضر لنا واحدة أخرى حباتها جامدة ، وهنا اخرج ابو محمد ما في قلبه وبصوت هامس في اذن ام محمد يا مره انو بكره هو في بكره اذ الخمس وسبعون قرش التي بجيبي طارت على الباص وعصير البندوره ، اكتفت أم محمد بان قامت بدأت بعصر البندورة المعصورة لعل وعسى يخرج منها شيء يسد جوع الصغار ، في صباح اليوم التالي غادر ابو محمد المنزل على أمل ان يجد تعويضا للخمسة وسبعون قرش التي ذهبت مع الريح وبعد يوم طويل من البحث عن عمل إجتمع في جيبه ثلاثة دنانير وعشرة قروش اشترى بدينار باكيت دخان لعله يعوض نقص النيكوتين في جسمه من مساء الأمس ، ووقف أمام موقف الباص منتظرا حضر الباص نفسه وهنا خرجت عيون الكنترول والسائق من محجريهما كبداية لإعلان رفض وجوده في الباص ، لكنه سبقهما وقال الذي حدث أمس لن يحدث اليوم لم أشتري بندورة ، وتحرك الباص باتجاه الحارة ومرة أخرى أسرع أبو محمد وأوقف الباص أمام معرش للبطيخ كتب علية الكيلو بعشرين قرش ، وبسرعة حمل بطيخة ووضعها على الميزان وكان سعرها بعد الوزن ديناران ، أخذها أبو محمد ولم يفكر في المسافة ما بين المنزل ومعرش البطيخ والتي تبلغ اكثر من عشر كيلو وكل امره الى الله وبدأ السير ، وطوال الطريق كان ابو محمد ينقل البطيخة من يده اليسرى إلى يده اليمنى ليريحهما من وزن البطيخة التي يبلغ عشرة كيلو ، وأثناء النقل وبعد أن ضربت الشمس يديه ورأسه وأصبح جسده ينقط عرقاً سقطت البطيخة من يده على الأرض وأصبحت عشرات القطع ، تمالك نفسه ابو محمد وجمع القطع ووضعها في حضن قميصه لعله يصل البيت بأقل الخسائر ، وعند دخوله للحارة لم ينتبه أبو محمد إلا أن ماء البطيخ قد وصل لما بين قدميه وصبغ بنطاله بالأحمر القاني ، واستقبله أولاد الحارة بالصراخ عليه ( ابو محمد عملها على حاله مرة أخرى ) وهنا عاجلهم بصوته العالي وأبعدهم عن نفسه ودخل المنزل ، ولم يغادر أبو محمد المنزل في اليوم التالي لأن كل الحارة أصبحت تناديه أبو محمد ابو رطه ، ومات أبو محمد في منزله ولازال أولاده ينادون بأولاد أبو رطه