تطور مهم جرى على الساحة الأوروبية، تمثَّل في الإعلان عن تأسيس «الهيئة الأوروبية للدفاع عن حقوق المسلمين»، والتي عقدت مؤتمرها التأسيسي في بروكسل على مدى يومين (19 - 20/12/2009م)، لتكون أول هيئة أوروبية معنية بحقوق المسلمين. مبادرة التأسيس جاءت من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا، وهو من أعرق وأنشط المؤسسات الرسمية المعبرة عن جانب كبير من المسلمين في تلك القارة.
بالطبع.. فإن تلك الخطوة الجيدة جاءت كرد فعل - كما يعتقد المراقبون - على حملة الكراهية المتصاعدة في الغرب ضد الإسلام والمسلمين، والتي بدأت تأخذ في الفترة الأخيرة بعداً شعبياً تقوده الأحزاب اليمينية المتطرفة ومن ورائها آلة صهيونية جبارة، والتي تمخضت حتى الآن عن النجاح في استفتاء حظر بناء المآذن في سويسرا، وتمضي في محاولاتها لاتخاذ خطوات أخرى نحو حظر بناء المساجد ومنع الحجاب والتضييق على حقوق المسلمين بصفة عامة، ونتمنى ألا يتم ذلك. ومن هنا تأتي أهمية تلك الخطوة بتأسيس هيئة الدفاع الجديدة لتمارس عملاً قانونياً بحتاً في مواجهة أية خطوات قانونية أو رسمية مجحفة بحق المسلمين.
نعم.. الاحتجاج على الإجحاف والظلم بالمظاهرات والوقفات والمؤتمرات مهم، ولكن يبقى أن المؤسسات القانونية الرسمية يمكنها أن تقوم بالدور الأكبر في حمل الحقوق إلى أروقة المؤسسات الرسمية والقانونية وإثباتها بأدلة ووثائق، وانتزاعها عبر القانون في بلاد مازال للقانون فيها كلمة، ومن هنا، سيكون على المؤسسة الحقوقية الجديدة التي تمثل أول بادرة مؤسسية رسمية من هذا النوع - وفق تصريحات د. شكيب مخلوف رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا - تمثل عبئاً كبيراً يتعين عليها النهوض، ويتعين في الوقت نفسه على كل المؤسسات المناظرة بين صفوف المسلمين في الغرب دعمها ومساعدتها في مهامها الشاقة في المرحلة القادمة. وأعتقد أنه لن يغيب عن الجميع الاستفادة من خبرات واسعة لمنظمات إسلامية في الغرب، مثل منظمة «كير» بالولايات المتحدة مثلاً في هذا المجال، وهو ما أكد عليه د. أيمن علي الأمين العام للمنظمة، ولاشك أن اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا صاحب المبادرة لديه خبرة كبيرة في العمل المؤسسي والتعامل مع الجهات الرسمية الأوروبية، وسينعكس ذلك على أداء المؤسسة الحقوقية الجديدة.
لكن يبقى أمر مهم يظل مدى النجاح في تحقيقه رهناً بنسبة نجاح تلك المؤسسة، وهو أنه كلما انضوى تحتها أكبر شريحة من المسلمين اكتسبت قوة في التعبير عن حقوقهم.
والحقيقة، أن ذلك لم يغب عن المؤسسين لتلك الهيئة، فقد شارك في مؤتمرها التأسيسي نحو عشرين شخصية إسلامية غير حكومية من مختلف العرقيات الإسلامية في أوروبا ومتخصصين في الشأن الحقوقي والنساء. ويبقى على المؤسسة الوليدة أن تواصل جهودها لتضم المزيد من الشخصيات والمنظمات والمؤسسات الإسلامية لجهودها، وأتمنى -كغيري من الذين يتابعون الحالة الإسلامية في الغرب - ألا تتوقف جهودها في هذا الصدد، فكلما كانت المؤسسة تعبر عن شرائح أوسع حظيت بمصداقية واحترام، وآفة المسلمين الكبرى في الغرب التي تتحدث عنها الحكومات الغربية هي عدم وجود جهة موحدة تتحدث باسمهم، بل جهات متفرقة، وآفة أخرى تبرز على السطح وإن كانت آثارها تتلاشى رويداً رويداً، هي الاختلاف الفقهي، والخلاف على ممارسة العمل حيناً والتشاجر الإعلامي أحياناً أخرى، ولا شك أن غياب هذه الظواهر السلبية وظهور المسلمين جميعاً بشتى أفكارهم في صورة موحدة خاصة أمام قضاياهم المصيرية التي لا خلاف عليها وقناعتهم بجهة يختارونها للحديث باسمهم ستكسبهم احتراماً، وستجعل الآخر يستمع إليهم بإنصات.. ولعل تأسيس تلك الهيئة الحقوقية فرصة نادرة وتجربة مهمة لاختبار وحدة المسلمين حولها كمؤسسة حقوقية تهتم بالحقوق الأساسية التي لا تعرف فكراً ولا جنسية ولا لوناً.. لأنها حقوق.
بقي أن أشير هنا، إلى أن تأسيس هذه الهيئة الحقوقية المهمة جاء بعد أيام من إصدار «وكالة الحقوق الأساسية» التابعة للاتحاد الأوروبي تقريرها السنوي في العاصمة السويدية ستوكهولم، واعترفت فيه «بتعرض الأقليات المسلمة إلى تمييز كبير في بلدان الاتحاد الأوروبي».. وتلك الشهادة تؤكد أن تأسيس «الهيئة الأوروبية للدفاع عن حقوق المسلمين» جاء في موعده، وإن تأخر قليلاً.
.......................................
* كاتب مصري – مدير تحرير مجلة المجتمع