لا يغفل على أي منا أن المجتمع مقسم الى طبقات ......حسب المنظومة الإقتصادية لفئات المجتمع, وانا لست ممن يؤيد هذا الأساس في التصنيف ,فالمال هو عصب الحياة ولا أحد ينكر ذلك ,ولكن الحكم على الأشخاص يكون بميزات دينه وعلمه وعمله ومدى تفاعله وخدمته لأبناء شعبه ليساهم في رقيهم وتقدمهم على سلم الحضارات والأمم , فليس العالم الذي ينعكف على نفسه بدراساته وأبحاثه ,وليس العابد الذي يترهب بصومعته وينعزل بنفسه عن مجتمعه , يكون قد اختار الخيار الصحيح والسليم لكي يتقدم في علومه وعبادته بمعزل عن بقية الناس ,فالكل يعرف قصة القرية التي ارسل الله اليها ملائكته لكي ينزلوا بها عذابه , فتفاجئوا بأن هناك عابد مترهب منعكف على عبادته في صومعته في طرف القرية منذ زمن بعيد فعادوا وأخبروا الله_والله يعلم قبل أن يرسلهم_ولكن الله عزوجل طلب منهم بأن يبدأو بهذا العابد المترهب المنعزل عن قومه ومجتمعه .....وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم بأن خير الناس أنفعهم للناس ....( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي)صدق رسول الله.
وكما للمال زكاه وللبدن زكاه فإن للعلم زكاه ,فزكاة العلم بأن تعلم غيرك بما تعلمت وأن لا تحجب أي معلومة عن بقية أفراد مجتمعك لكي تعم الفائدة للجميع ويزيدك وينمي قدراتك العلمية ويحل البركة فيما توصلت اليه من علم, ولكن يجب معرفة الحكمة من فرض الزكاة وهي أساسا طاعة لله وعبادة, فضلا على أنها (زيادة ونماء), وإحلال البركة فيما تبقى من أموال بعد إخراج الزكاة , وهي تشكل لبنة أساسية في قواعد نظام التكافل الإجتماعي بين أبناء المجتمع الواحد , وهكذا تختفي الطبقة المعدومة في المجتمع عندما توزع الصدقات ويختفي معها الآثار الإجتماعية السلبية المترتبة على ذلك كالسرقة والقتل والإنحطاط الأخلاقي لهذه الطبقة ,وكذلك عدم تفشي الإدمان على المخدرات وغيرها من آفات المجتمعات البائسة بين أفرادها نتيجة البطالة وعدم دوران العجلة الإقتصادية بشكلها المطلوب والصحيح الذي يضمن ملئ لشريحة قوية في المجتمع وهي شريحة الشباب وخصوصا إن كانت ضمن الطبقة المعدومة ....
فالفراغ هو مفسدة الشباب, وهؤلاء الشباب هم عصب هذه الطبقة والمعيل الأساسي لها وهذه الطبقة هي القاعدة التي يبنى عليها المجتمع بشتى طبفاته فبدون الطبقة الكادحة أو(المعدومة)لا تعيش باقي طبقات المجتمع ...ولا تدور عجلة حياتها اليومية من مأكل أو مشرب أو مواصلات أو أبسط من ذلك كله عمال النظافة فبدونهم حياة المرفهين ومدنهم وشوارعهم تصبح مكرهة صحية , ولا أحد يقبل أن يعيش في مثل هكذا ظروف , هذا يعني أن الطبقة المعدومة هي الوقود أو الشمعة التي تحترق من أجل أن تنير على الأخرين , فلماذا لا ندعم هذه الطبقة ونحافظ عليها من مصاعب الحياة , وذلك من خلال إخراج زكاة أموالنا وإعطائها لمستحقيها وبالتالي حماية مجتمعاتنا من أي آثار سلبية فكرية أو إعتقادية ثم نحاول أن نعطيها مسميات أو ألقاب مستوردة كالإرهاب , أو الحقد الطبقي ...فهذا وإن ظهر في مجتمعاتنا فإنه نتيجة لتقصيرنا نحن وتعطيل ركن من أركان الإسلام.
والطبقة التي تشكل رأس الهرم المجتمعي هي طبقة تفوق طبقة القاعدة بمراحل شاسعة في جميع نواحي الحياة الإجتماعية والرفاهية ولكن ليس العلمية والأخلاقية وهذا ليس بمقياس على جميع أفراد هذه الطبقة فهناك لكل قاعدة حالات خاصة ....تشذ عنها.
اما الطبقة الوسطى وهي صلب الموضوع فهي الطبقة الضائعة المذوبة في أحضان طبقة رأس الهرم أو الطافية على سطح الطبقة الكادحة( طبقة قاعدة الهرم) .... فحالها متبدل بين هذه الطبقة وتلك, بناء على الأحوال الإقتصادية والمعيشية التي تمر بها هذه الطبقة... فأحيانا تعد نفسها من أصحاب النفوذ والسلطة (كطبقة رأس الهرم)عندما تحين لأصحابها الفرصة , واحيانا تعد نفسها من أصحاب الطبقة الكادحة عندما لا تهب رياحهم في الصباح تجدهم يميلون لأصحاب الطبقة السفلى , وفي فترة النهار يعدوا أنفسهم من أصحاب الطبقة العليا , وفي المساء يعودون للطبقة الوسطى.
فطالبة الجامعة تخرج من بيتها في الصباح مودعة ليل البؤساء ليل الطبقة الوسطى ومستقبلة نهار السعداء نهار الطبقة العليا فتخرج بلباسها الساتر الفاضح في نفس الوقت فتضع الحجاب على رأسها لكي تؤكد لنفسا قبل أي أحد آخر أنها ما زالت تنتمي لبيئتها وعاداتها وتقاليدهاوتلبس ما هو مفصل لجسدها ما ضاق أو شف من ملابس عدا عن الملابس القصيرة المتعلقة بالموضة التي تظهر جزءا من عورة البطن .....
ففي هذه الملابس تكون قد صادت عصفورين بحجر واحد , الأول أنها لم تخرج عن طور بيئتها بحجابها , والثاني حاولت أن تتماشى مع أصحاب الطبقة العليا أثناء تواجدها معهم في الجامعة , فتيات هذه الطبقة تكون أخطر بكثير على نفسها قبل أن تكون خطرا على المجتمع.....
فبمجرد أن تنتهي الجامعة ويتخرجوا للحياة العملية وتنتهي فترة اللقاءات بين أفراد جميع هذه الطبقات حتى تبدأ بتنفيذ الصورة المرسومة في مخيلتها عن أصحاب الطبقة العليا ....حيث أصبحت الآن ذات وظيفة مستقلة وذات مصدر دخل منفصل عن عائلتها , فتتخيل أن الحياة أمامها فقط لهو ولعب وتحقيق كل ما كانت تتمناه في الماضي ولا تصل اليه , ولهذا نقول بأنها أخطر طبقة في طبقات المجتمع , رغبة التمتع بالحياة ورغبة العيش بحرية والتملك لجميع ما يخطر في البال من متع الحياة والتي تكون بمثابة إنزلاق خطر في أحد أمراض المجتمع المزمنة من إدمان المخدرات أو الخمر أو ممارسة الرذيلة ....وبالتالي تكون النتيجة أفراد ضعفاء ومجتمعات مفككة ومشردة.
هذه هي النتائج الوخيمة لتعطيل ركن من أركان الإسلام ألا وهو الزكاة , فلنراجع أنفسنا كم ركن من أركان الإسلام عطلنا , وكم حد من حدود الله قد تعدينا....
فكما نكيل لأبنائنا وهم في فترة التلقين والتعلم يكيلو لنا ونحن في فترة الهرم والشيخوخة , وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال(كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) .
أطفالنا أكبادنا ...لبنات مستقبلنا , فلنحرص عليهم ولنوجههم بالإتجاه الصحيح منذ نعومة أظفارهم لما هو خير لهم ولأمتهم..
المهندس :زياد الشرقاوي