والقارئ المتمعن للتاريخ يلحظ ان حالة المخاض الاجتماعي التي يمر بها المجتمع الاردني تحاكي تلك التي مرت بها المجتمعات الغابرة البائدة في احقابهم الانتقالية من مرحلة الانكماش الاجتماعي الى مرحلة الانفتاح العولمي وتفكك المنظومة الاجتماعية التي تضبط السلوك.
لا انكار بان الانفتاح المفاجئ والمبالغ فية في العقود القليلة الماضية اسفر عن ميلاد صدمة ثقافية جعلتنا نقف مذهولين حيارى نتسائل عن مصير ذخيرتنا الهائلة من الاعراف الاجتماعية ومخطوطات الاخلاق المنبثقة اصلا من أقوم شريعة على الارض. ففي خضم الانفتاح العابث ذابت كل تضاريس القيم والاعراف الموروثة من اسلافنا في غياهب بحر الحضارة الجديدة المستوردة من شتى اصقاع الدنيا. وعبثت سلوكات المجتمعات الغربية بقاموسنا فأدخلت مفردات اثارت فينا كل استغراب ...ما عرف اجدادنا الذين سطروا بثمرة عقولهم وخلاصة فكرهم مفردة غريبة كقتل الذات ( الانتحار) ولم يدرجوا مفردة ( الحرية الشخصية) في معايير تربيتهم للجيل الذي اهاب اباطرة الروم وتيجان الفرس أئنذاك. فقد كان كل منهمك في صومعة الانتاج والعطاء يسير على منهج تربوي سليم .
لو قدّر لك اليوم ان تسبر ادمغة هذا الجيل, لايقنت ان موتنا يتربص لنا في عقولنا لا في اجسادنا.ماذا ترجوا خيرا من مساحات العقل التي ملأت تفاهة وشهوات مقيتة وعقول سلبت مفردة ( السمو).
ومعروف ان القراءة الصائبة للتاريخ ترشدنا الى الصواب وتحيد بنا عن درب التيه. لأن مقولة ان (التاريخ يعيد نفسه) هي منهاج حل لضروب معضلات الحياة القادمة...... ولكنني انحب على ما امتلأت به عقولنا من شح في التاريخ وغياب نبراس الرشد لهولاء الفتية التائهين....... تبحث وتنحث لكنك لا تجد الاّ اقتداء اعمى بنجم سينمائي او عارضة ازياء. فما أحوجنا ان نصب عصارة التاريخ في بوتقة عقول ابنائنا حتى يتجلى لهم (لا بالتلقين) انهم اعرق امة عرفها الكون وان لا مجد الاّ في اعادة تاريخنا بحروف من مستقبل.
ما يجري الان من فوضى عارمة في عقول ابنائنا هو نتاج التضارب الفكري والحضاري بين موروثات التربية وبين مكتسبات نظريات التربية الحديثة. وهو صراع للتغيير يدور رحاه بين الواقع وبين ما تبثة الفضائيات و(الانترنت) من سموم في عقول ابنائنا . كل ذلك ينبئ بثورة اجتماعية تحت عنوان (الانفتاح والتحرر الفكري) والتي لا محالة ستصل بنا الى جيل جديد لا نعرفهم ولا يفهموننا ..فكم من الوالدين لا يقدرون على اقتحام مكنونات ابنائهم حتى لمعرفة رد فعلهم في امر ما ..ولذلك قد تفاجأ ان ابنك يعتلي أحد أبراج البث الشاهقة ويطلب منك ان تشتري هاتفا نقالا لصديقته والا سوف يرمي بنفسه ...أي مرض اجتماعي تفحّل فينا وصار الفكر الغربي المتعفن سرطانا ينهش موروثاتنا من كل صوب.
بادئا ...مسؤليتنا هي ان نحفّ كل جرعات التربية التي نصبها في عقول اولادنا بمنهج تربوي قويم سليم مستمد من شريعة الله عزوجل لا من ابداعات بشرية (قد لا تنطبق علينا) والاّ ليس حقاّ ان نتنصل من مسؤولتنا امام انفسنا وامام مجتمعاتنا. فالزارع شوكا لن تستمع سنابل القمح لشكواه.
صلاح المجتمع لا يتأتى بالعويل والدموع ولكن بالاعداد المتفاني لصناعة اجيالنا القادمة . فليجّهز كل منا مضلةّ من اخلاق وتروسا من قيم ومساميرا من عقيدة ولنستجمع قوى البيت الاردني لنكبح بعضا من جماح هذة الثورة البركانية الهائجة في وجة ثقافتنا علّنا نخرج ان شاء الله بأقل الضرر.