اسمعوني: بعد أيام قليلة سيتم طرح إعلان ترويجي في وسائل الإعلام المختلفة لإحدى المستشفيات الحكومية حيث يكون مضمون الإعلان على النحو الأتي :
شخص مريض مستلق على السرير في احدى الغرف يرتدي لباس العمليات غير المحتشم (الروب) ، يقول وهو رافعاً يده اليسرى بإسلوب يوحي بأنه سيموت بعد لحظات:
\"يا إخوان ترى المستشفى هون كثير منيح.. إعمل أي عملية ، والثانية مجاناً\"!! وفجأة يستعيد عافيته ويرتد له نشاطه ويعتدل في جلسته ويقول: ركزوا معي... العملية الثانية ببلاش!
في الصحف سيتم وضع صورة طبيبة بيضاء ، ذات شعر أشقر مبتسمة تضع يدها على خصرها مع غمزة بعينها اليسرى و أرخت على كتفها السماعة الطبية ، وعلى جانبها الأيسر كتبت عبارة (العملية الجراحية الأولى عليك ، والثانية علينا) وبين قوسين عبارة (إبسط يا عم) لاضفاء روح الدعابة والنغاشة على (الدعاية).
بدأت القصة عندما شعر صديقي -الذي أصرَّ على عدم ذكر اسمه- بألم وتضخم في (لُوَزِه) الأمر الذي دفعه للتوجه إلى إحدى المستشفيات الحكومية الكريمة جداً... دخل إلى المستشفى قسم ( الأنف والإذن والحنجرة) وحينما استقر بين يدي الطبيب الذي بدا مرهقاً ... شرح له صديقي ما يعانيه (من لُوَزِه) ، الدكتور بدوره لم يعلق على ما تفضل به صديقي .. وقام من على كرسيه وأخذ قطعة خشبية وطويلة بعض الشيء وضعها في فمه كي يتمكن من أن يعاين وضع اللوزتين! ثم تناول من على الطاولة التي تقابله جهاز حديدي صغير يشبه إلى حد كبير (الفرد) يحتوي على إضاءة ووضع الجهة ذات الشكل (المبوّز) في أذنه وأخذ يحركه للأسفل مرة وللأعلى مرة أخرى.
أعاد الدكتور الجهاز إلى مكانه وألقي بالقطعة الخشبية في سلة المهملات واستقر على كرسيه خلف مكتبه ... كتب على ورقة صغيرة كلاماً غير مفهوم هو أقرب للسنسكريتية منها للإنجليزية بالنسبة لصديقي المريض!
توجه الدكتور بوجهه إلى صديقي المتوتر وقال : عليك أن تجري العملية بأسرع وقت فأنت بحاجة إلى (استئصال اللوز).
اندهش صديقي.. وأردف : إلى هذا الحد الأمر خطير يا دكتور .. ابتسم الدكتور \"أخيراً\" وأجاب:
المسألة ليست خطيرة أبداً.. لكن يتوجب عليك أن تخلع لوزك لتستريح ، (أحسنلك)!
نصحه الدكتور أن يمضي الليلة في المستشفى على أحد الأسرة ؛ كي يحجز لنفسه سرير وليتمكن من إجراء العملية ، لم يمانع صديقي أبداً .. وخرج من غرفة الطبيب وأجرى مكالمة هاتفية سريعة ، وتمّ منحه سرير في القسم وتمّ تحديد العملية في الثامنة صباحاً من اليوم التالي.
(أمعقول يا صديقي أنك ستفقد \"لوزتين\" من بستان جسدك ..؟؟!)
بعد المغرب بقليل ذهبنا بمعية بعض الأصدقاء كي نطمئن على صديقنا ولاخراجه من عزلته التي اعتلته فجأة في المستشفى.
قادنا رجل الأمن في المستشفى وغادر .. دفعت الباب ودخلنا ، كان وضع الغرفة كئيب جداً.. فهي تحتوي على خمسة أسرة مشغولة ، و استقر صديقي في زاوية الغرفة بجانب النافذة ، أنا لست بصدد التحدث عن طبيعة الغرفة الكئيبة ، ولا عن الحالة النفسية السيئة التي تعتلي ملامح أولئك ، فهذا أمرٌ طبيعي. فلو تمّ نقلهم إلى غرفة في فندق ذائع الصيت (خمس نجوم) لما تبدل ذلك الشعور وتلك الحالة النفسية غير المستقرة!
بعضنا جلس على السرير والاخر بقيَّ واقفاً ..شربنا العصير وتحدثنا عن خطورة العمليات في محاولة لبث الرعب داخل صديقنا ، إلا أنه بقيّ صلباً ولم يلقي بالاً لمزاحنا الثقيل !
أعلمنا أن العملية ستجرى له في اليوم التالي في الثامنة صباحاً ، وسيغادر المستشفى قبل العصر .. قلنا له (إن شاء الله) وغادرنا كلٌ إلى بيته!
في صباح اليوم التالي لم أحاول أن اتصل به ، وقبل أن تتعدى الساعة التاسعة صباحاً .. وإذا بالهاتف يصيح .. أخرجته من جيبي وإذ بالشاشة تمتلئ بإسمه : (.... يتصل بك) !
همست في نفسي (الله يستر) وأجبته:
- ألو
- مرحبا حمزة
- طمني ... قلتها بلهفة
- ضحك طويلاً ، ثم قال بإسلوب هادئ : بتعرف شو صار
- خير ؟
- ألبسوني (الروب) ،ودخلت إلى غرفة العمليات ،وقبل أن يتم حقني بإبرة المخدر ، دفعت احداهن الباب فكان الطبيب الذي أشرف على فحصي ، فصاح بالأطباء الذين يحاصرونني:
- ( لحظة ، مش هذا المريض اللي بدو يعمل عملية \"اللحميات\" ... هذا بدو يشيل لوزه بس)!! وتم إخراجي من الغرفة ... فقد كنت بصدد أن أجري عملية أخرى غير عملية (استئصال اللوز) ... بتصدق ..؟
- طيب ، وشو صار بعدين ؟
- أعطوني موعد بعد (4) أسابيع؟!
انفجرت من الضحك...
ولن أستطيع أن أُكمل ... فأنا فارط من الضحك !
معقول يا ناس ؟؟!!.