(2-2)
لقد قرانا وسمعنا ورأينا البعض وهم يحدثون الناس بأفضلية قانون الصوت الواحد مستندين في ذلك على أن الانتخابات في بريطانيا تجري على أساس الصوت الواحد. مخطئ من يزين القانون بهذه المقاربة, تتشكل بريطانيا من أربعة دول وفيها أربعة لغات و حزبين كبيرين وحزب متوسط الثقل وستة احزاب أخرى صغيرة وعدد سكانها 60 مليون نسمة, وبرغم هذا التنوع فان البريطاني ليس عشائري ولا جهوى ولا يستند في اختياره للمرشح على أساس العشيرة أو الجهة أو حتى الدين, لذلك فاز في الانتخابات الأخيرة ثلاث سيدات مسلمات, وفازت سيدتين من أصل أفريقي واحدة من حزب المحافظين والأخرى من حزب العمال، و فازت هندية من حزب المحافظين. و فاز مرشحا من أصل عراقي من حزب المحافظين. البريطاني لا يزور بطاقته الشخصية وقد يدخل قاعة الانتخاب بدون وثيقة وتوافق اللجنة لثقتها المطلقة بة , وينتخب مرشحة وهو يضحك ويمازح من انتخب مرشح آخر, ولا يستقبل جاهه تكف يدها عن قهوته ليعطى كلمته إلى هذا المرشح أو عدم الوقوف مع المرشح الآخر. البريطاني يعتمد في اختياره
للمرشح على البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الحزبي. وعلى هذه الأسس كانت نتائج الانتخابات الأخيرة بخلاف التوقعات , حيث لم يتمكن أي من الحزبين السائدين – حزب المحافظين وحزب العمال - من تحقيق الأغلبية التي تؤهله لتشكيل الحكومة فظهر في بريطانيا ما يسمى البرلمان المعلق الذي يعنى وجوب تحالف الحزب الذي أحرز أعلى الأصوات مع حزب الديمقراطيون الأحرار مثلا ليتمكن من تشكيل الحكومة . في هذه الانتخابات أكد الناخب البريطاني أنة لا يعطي تفويضا مطلقا ومستمرا لأحد مهما كان حجمه و تاثيرة بعكس ما يحصل عندنا حيث يبقى كرسي النيابة محفوظا لصاحب (الوزن الثقيل) بحسب الميزان المعمول بة في بلدنا ولأنة مرضى عنة من قبل الحكومة في حين يفشل من كان وزنة ثقيلا فعلا من حيث عدد الأصوات لان الحكومة غير راضية عنة . إنها مقارنة مشوهة التي يجريها البعض بين قانوننا و قانون الانجليز, ولكي نصلح تشويهاتها لتكن العملية الانتخابية برمتها في بلدنا كما هي في بريطانيا ويكون دور حكومتنا هو تسهيل إجراء الانتخابات وحفظها من العبث. إن بلدنا ليست عاجزة عن ذلك, فما المانع من اختيار خبراء في علم الاجتماع و النفس و العشائر والشؤون الدينية والأمن والإعلام بالإضافة إلى خبراء القانون لصياغة قانون انتخابات وصياغة ما يحتاج إلية من أنظمة وتعليمات تدار على أساسها العملية الانتخابية وتحقق رضا الناس ورضا الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني.
لقد جرت الانتخابات النيابية في بلدنا 19 مرة منها 5 مرات بعد اعتراف بريطانيا بالإمارة سنة 1928 و14 مرة بعد الاستقلال سنة 1946 , أي أنة لدى بلدنا خبرة ليست هينة في مجال العملية الانتخابية عمرها حوالي 78 سنة, امتدت منذ انتخابات المجلس التشريعي الأول سنة 1929 إلى انتخابات مجلس النواب الخامس عشر سنة 2007(البرلمان العاشر 1984كان دعوة للبرلمان التاسع 1967). إنها خبرة جيدة في هذا المجال لكن قراءتها تدل على عدم استقرار الحياة النيابية في بلدنا حيث تم حل مجلس النواب 7 مرات وتم حل أول مجلس تشريعي, وكل ذلك كان بحجة عدم التعاون مع السلطة التنفيذية, أي أنة كانت الحظوة للسلطة التنفيذية على حساب التشريعية. إن حل البرلمان وفى أي بلد أول ما يدل على اختناق سياسي اقتصادي اجتماعي أساسة إما خللا في تشكيل البرلمان أو خللا في تشكيل الحكومة أو أنة ناتج عن عجز الحكومة عن مواجهة ضغط خارجي أو رغبة لديها في تنفيذ هذه الضغوط رغما عن البرلمان. إننا لا نبالغ في هذا الوصف بل إن قراءته المتأنية هي الكفيلة باستقرار الحياة البرلمانية وتشكيل برلمان وحكومة متوافقين على خط عام هو خدمة الوطن ومصارحة ممثليه بالأخطار الخارجية وما ينجم عنها من ضغوطات تتم ترجمتها بعدم التعاون وبغياب الثقة التي تقود للاختناق ولو بعد حين. إننا في بلد نظامه السياسي مستقر جنب الناس التنازع على السلطة, و الحياة البرلمانية ملازمة لنظامه الملكي أو هكذا يجب أن تكون بحسب الدستور, وعلية يبرز السؤال المهم وهو ما الداعي لقانون مقيد لهذه الحياة بمعاييرها الكبرى و تقزيم البرلمان ليكون برلمانا بيد الحكومة يتعاون معها ولا يعارضها فيما تقرر, اعضائة منتخبين على أسس اقل ما يقال عنها أنها هزيلة. إن أحدا لا ينكر أن بلدنا تتعرض لضغوطات رسمية خارجية كبيرة لحرفة عن دورة الوطني والقومي وهذه لا يمكن تنفيذها في حالة تشكيل برلمان قوى يرفض هذه الضغوطات , بالمقابل تتعرض بلدنا لضغوطات لاستمرار الحياة البرلمانية من جهات تسمى نفسها مدنية وهى من نفس بيئة الضغوطات الرسمية الأمريكية والغربية, و تسعى حكوماتنا للموائمة بين هذه الضغوطات فتقع كل مرة في نفس الخطأ وهو تشكيل برلمان ضعيف يستجيب للضغوطات الأولى ويلبى متطلبات الضغوطات الثانية. إن أمريكا وقبلها بريطانيا ومنذ عهد الانتداب تدعو إلى الانتخابات والديمقراطية , ولكن بحسب وصفتها, تريدها خاوية منزوعة الدسم لا تزعجها , وإذا ما ظهر خلاف ذلك تبدأ ضغوطاتها لشيطنة نتائجها وخلق المشاكل للبلد التي أفرزتها. إننا لا نبالغ إذا قلنا بأنة لن تكون هناك انتخابات حرة برامجية ولن تكون هناك ديمقراطية كاملة الدسم ما دمنا رهن موازنة القوى والسياسات الأمريكية الصهيونية التي لا تريد لنا الاستقرار بإبقاء قضيتنا الفلسطينية دون حل., لن تتحقق الحرية الكاملة لأي بلد ما لم تتحرر ارادتة ويكون قادرا على اتخاذ قراره وصناعة مستقبلة, وهذا لن يتحقق لبلدنا ولا لأي بلد عربي في ضل الفرقة والتفتت. وبنفس القياس يمكن قراءة شعار التنمية السياسية وهو الشعار الخاوي الذي لم يتعدى طباعة كلمات اليافطة, الحكومات المتعاقبة غير جادة في وضع الشعار موضع العمل والتنفيذ فكل ما تريده هو الديكور الذي تمثل في استحداث وزارة باسم التنمية السياسية التي لم يتجاوز دورها حضور الندوات والتصفيق لقرارات الحكومة. إن التنمية السياسية لا تتحقق بهكذا إجراء شكلي و الأردني لا يحتاج من يعلمه السياسة , انه يحتاج إلى مصارحته وإطلاق حريته في إبداء راية ويحتاج إلى تعزيز ثقته بجدية خطاب الدعوة إلى عودة الحياة السياسية دون أية رقابة أو قيود على حركته . التنمية السياسية لا تتحقق دون التحاق الناس بالأحزاب السياسية ودون أن يكون لهذه الأحزاب دورا واضحا في إدارة الحياة في البلاد, انها لا تتحقق إلا باعتراف الحكومة بالمعارضة, لقد سمعنا قبل فترة ليست بعيدة وعلى لسان احد البرلمانيين كيف أنة لا يعترف بالمعارضة عندما كان على وفاق مطلق مع الحكومة, إلا أنة عاد بعد بعض الجفوة بينة وبينها ليعترف بالمعارضة و يعترف بأهميتها في إدارة شؤون البلاد والعباد. إن هكذا تقلب وهكذا مزاجية وهكذا حساب مبتور من أكثر ما يضر البلاد, إن ما ينفعها هو الاحترام الدائم للمعارضة والاعتراف الدائم بدورها وتشجيعها للبحث الدائم عن أخطاء الحكومة واقتراح ما يساعدها في تأدية مهامها.
د. عبداللة الرواشدة
drabdullah63@gmail.com