.. وطن الفقر قد ولى بعد أن استمرت الظاهرة عقود طويلة وكنا راضون ، عانى فيه الناس ما عانوه بصمت وصبر لم يسجله التاريخ ! تراجع فيه مستوى التعليم بين الفقراء وهذا ما أرادوه ! وازدادت أرقام العاطلين عن العمل وكبرت أرقام العزوبية والعنوسة وهذا أصلا ما خططوا له ! وازدادت أرقام الجريمة وتضاعفت مرات كثيرة وهذا ما لم يحسبوا حسابه ، وازداد العنف بين طلبة الجامعات وردوها الى العشائرية والفراغ وغيرها لذر الرماد في عيون الناس ولم يعترفوا بواقع الحال ، وسجلت الأمراض مستويات جديدة بسبب الفقر والجوع والحرمان وارتفاع أسعار الغذاء والدواء ! لم تعلن حكومات الفقر صراحة عن مستوى حالات الإجهاض بين الأطفال المشوهين والمرضى بسبب الأمراض ومستوى الرعاية الصحية ، فالطاقة البيولوجية لتحمل الجوع لها حدود ! سنين عجاف عاشها الشعب المسكين واشغلوه بلقمة العيش المرة ، وحدث ما حدث من هبوط لمستوى القيم الأخلاقية بين رجال الحكم والحكومات ، واتسعت دائرة المنضويين تحت ألوية الفساد ومؤسساته الرسمية غير المعلنة والشللية القاتلة المنحازة لطبقة واحده ! فساد كان ينحصر بحالة أو اثنتين ثم حولتها حكومات الفقر الى مؤسسات شبه رسمية \" تعشعش \" وتعتاش في كل وزارة أو مجلس بلدي أو دائرة رسمية وغابت الرقابة وانحصرت مؤسسة مكافحة الفساد في مبنى متواضع وطاقم أكثر تواضعا ممن يخشون ملاحقة الأغلبية من الفاسدين لقوتهم وعلاقتهم المباشرة بالحكم !! تشكلت تحالفات كبيرة بين كبار التجار من أقارب وانسبا وأصدقاء رؤساء الحكومات الذين يعرفهم الناس حق المعرفة وتلاعبوا بأسعار المواد واحتكارها دون رادع أو محاسبة تذكر فالحية لا تعض بطنها ! !
وانتقلت حكوماتنا هذه الأيام ومنذ بداية العام إلى سياسة التجويع المباشرة ، فجالت بسياساتها نحو الماء والكهرباء والطاقة والغذاء لعلها تساهم بزيادة المعاناة وتكريس سياسة التجويع بعد أن أنهت بنجاح كبير تنفيذ سياسة الفقر والذل ضمن قائمة عمل الحكومات ، حيث انتقلت ومنذ بدء العام الجديد ببرنامج التجويع تحت مسميات مواجهة العجز والمديونية الذي يمكن ولو توفرت الارداة والحكمة والصدق استردادها من جيوب الفاسدين وحساباتهم الرقمية الكبيرة التي تعاظمت بشكل خيالي رغم كل ما يشاع عن أزمات البلاد الاقتصادية ، فازدادت الضرائب ورفع الدعم عن أساسيات حاجة المواطن وجمدت الوظائف والرواتب ، وازدادت المعاناة بين الفقراء من أبناء شعب يشكل فيه الفقراء والجياع أكثر من 80% من مواطني المملكة الأردنية الهاشمية ، وان أردت حسابها بيسر عليك أن تعلم أن مجوع عائلات العاملين في التربية والصحة يشكلون أكثر من 30 % من المواطنين الفقراء وقس على ذلك العاملين بأجهزة الدولة والجيش والأمن وغيرهم لتدرك حقيقة أرقام المعانين من جراء تلك السياسات !
التجويع هو عنوان وبرامج هذه الحكومات ، فلا فساد حاربت ، ولا اعتداء على المال العام أوقفت ، ولا برامج الشفافية والعدالة تحققت ، ولا حماية للفقراء عملت ، جل اهتمامها توسيع قاعدة الفساد و المنتسبين إليها وحمايتهم من \" الحاقدين \" الحسودين لهم من السواد الأعظم من أبناء شعبنا الجاثم تحت رماد التجويع والفقر والبطالة ، حكومات لم تنفذ رغبات وتوجهات الحكم ، خالفت توجيهات الملك الذي طالبها بتوسيع قاعدة الطبقات الوسطى وتسهيل عيش المواطن ، فبادرت إلى مخالفة التوجهات وعملت بعكس ما طالبها الملك بتنفيذه ! طالبها بوقف الفساد لكن رقعة الفساد اتسعت بالأعضاء الجدد من أبنائهم وأقاربهم وشللهم ، التجويع سياسة الحكم الذي يبطش ويقهر شعبه ، وسياسة الفاسدين غير المبالين بالناس وغير المؤتمنين على مصائر العامة حتى تدفعهم إلى الفوضى والاضطراب وضياع الحقوق وانتشار الجريمة وتدني الو لاءات والانتماءات لديهم نحو الحكم أو الوطن ، فما فائدة وطن يعيش فيه الإنسان فقيرا جائعا ، وطنا ينهب خيراته القلة ويعاني فيه الكثرة ! أي وطن يجوع فيه الفرد ويعطش أسابيع وأخر ينعم كل يوم ب 400 متر مكعب من الماء النقي في مسبح قصره ! أي وطن هذا الذي يصرخ فيه طفل في حي شعبي او مخيم أو ريف يعاني نقص الحليب مقابل من تستحم نساء بعض طبقاته بحليب الناقة في مسابحهم !
قالوا الوطن للجميع ، ولم يشعر المواطن بتلك المقولة لأن الوطن لبضعة أفراد أو عائلات تتوارث الحكومات والرتب الرفيعة ، لتشعر انك في بلد يحكمه مستعمرون لكن من أبناء جلدتك ! يحكمونك حكم العسكر في زمن الطوارئ ، ينهبون خيرات البلاد وثرواته دون رادع ، يملون عليك سياسات سد عجز المديونية التي نهبوها أصلا جراء سياسات الفساد والسياسات الحمقاء ، قلة تسرق المال وأغلبية مطالبة بتسديده .. فأي وطن هذا !!!