يقولون: المكتوب معروف من عنوانه، والمقدمات تنبئ بالنهايات، ومجلس النواب القادم، يكاد يكون معروفاً من حيث النوعية والمستوى، ولا أقصد الجميع، ولكن يبدو أنَّ الأغلبية ستكون عبئاً على الأردن والأردنيين، وسنذكر عندها بكل خير مجلس النواب السابق المنحل، وسنعاتب حينها الكاتب الكبير خالد محادين ونقول له: كم كنت متسرعاً!
ما يجري من استعدادات محمومة وحملات مسعورة للترشح والدعاية الانتخابية، واستغلال كل شيء، واستخدام كل وسيلة، وولوج كل السبل، لا يبشر بخير، ولا يدل على نية لخدمة الوطن، ولكن كل ذلك يشير إلى أن كل واحد من هؤلاء لا تهمه إلا مصلحته الشخصية والعشائرية، ولا يهدف إلا إلى تحقيق رغباته، وجلب المكتسبات، وتنفيذ أجنداته الخاصة بالصفقات والعمولات، والوصول إلى مطامعه وأهوائه وشهواته.
هل يمكن أن يصدق أحد مهما أوتي من سذاجة أنَّ هؤلاء يبذلون ما يبذلون من أجل الوطن؟ وهل يفعلون ما يفعلون حباً للوطن وخوفاً عليه؟ وهل تنطلي تصرفاتهم على المواطن المقهور؟ وإلا فأين كان هؤلاء قبل اليوم؟ ولم لم تظهر بطولاتهم وتضحياتهم؟ وأين صولاتهم وجولاتهم؟ وأين سجلهم في خدمة الوطن والمواطن؟ وهل يمكن أن ينفقوا ما أنفقوه على حملاتهم من مناسف وأعطيات ومواصلات وغيرها مما ظهر وبطن على المواطن المغلوب على أمره دون قيد أو شرط، دون انتظار منفعة أو مصلحة؟ ... وليثبتوا ذلك إن كانوا صادقين.
الحملات والاستعدادات تشير إلى أن أغلبية النواب القادمين، سيكونون نوائب ومصائب، ولن يرقبوا في وطنهم إلاً ولا ذمة، وسيذبحون الوطن من أجل أطماعهم وشهواتهم وتحقيق مصالحهم، ولن يكون في واردهم خدمة الوطن إلا إن كانت هذه الخدمة ستعود عليهم أضعافاً مضاعفة.
سيكون لنا نواب يعتبرون الوطن بقرة حلوباً، وكعكة شهية، وكنزاً دون رصد، ومزرعة دون حارس، ولن يهمهم شيء إلا نهش أكبر قدر ممكن من المكاسب والغنائم، وهم سيكونون مسكونين برعب حل المجلس قبل نهايته، ولذا لن يردعهم رادع أن يحصلوا أكبر نصيب قبل أن تحل ساعتهم، وتنتهي جولتهم، ولن تكون خدمة الوطن والمواطن على أجندتهم في يوم من الأيام.
وحتى لا أتهم بالتشاؤم والتعميم الظالم، فإنََّ أي مجلس سابق لم يخلُ من نواب رائعين، قدموا مصلحة الوطن، وجاهدوا من أجله، وأنكروا ذاتهم، وسيكون للمجلس القادم نصيب منهم، ولكنهم قلة مطموسة تحت ركام الأغلبية العابثة المستهترة.
الوطن يا كل من يرغب في الترشح للانتخابات القادمة لا يستحق منا إلا كل دعم ومحبة وانتماء وإخلاص في العمل وبعد عن الأنانية. الوطن لا يحتاج إلى نواب يعملون لأنفسهم، ويسهرون على مصالحهم الضيقة، ويوسعون من دائرة علاقاتهم وبالتالي مشاريعهم، بل يحتاج إلى مواطنين شرفاء، مواطنين يقدمون وطنهم، مواطنين يفخرون بوطنهم ولا يساومون عليه، مواطنين لا يعتبرون الوطن صفقة مهما غلت وارتفعت.
وإني أقولها صادقاً، ومعي كثيرون أننا لا نحتاج إلى نواب أثبتوا على مدى المجالس السابقة أنَّ الوطن لا يشكل لهم هماً ولا أولوية، ولا نحتاج إلى نواب بعيدون عن حاجات المواطن وتلمس ما يريد، وإن أردن بلا نواب، أفضل وأجمل وأخف مؤونة، وأدعى أن يحلق في الآفاق. دعونا من حكاية أنَّ الحكومات تتغول في غياب مجلس النواب، فإنَّ الحكومات تتغول في حضور المجلس وغيابه، وإنَّه من الأفضل أن تتغول في غيابه، على أن تنال شرعية التغول في وجوده، وأزعم أن الحكومات رغم ظلمها أرحم بنا من نواب هم منا اسماً، وعلينا وعلى الوطن حقيقة وفعلاً.
mosa2x@yahoo.com