.. ما كان لأي حكومة عاقلة في العالم أن تبادر إلى فرض مزيد من الضرائب ورفع الدعم عن مواد أساسية كانت تبقي المواطن على قيد الحياة في ضل ظروف اقتصادية واجتماعية صعبه يعيشها مواطنوها ، فلا الضرائب او الرسوم التي أضيفت إلى مشتقات النفط مبررة ، ولا حتى فرض مزيد من الرسوم على الاتصالات والنقل والمواد الأساسية الرئيسة تبرر في وقت تشهد فيه وزاراتنا ومؤسساتنا الرسمية وشبه الرسمية حركة نشطة لم يسبق لها مثيل في ازدياد أعداد الفاسدين والمعتدين على المال العام ، إذ لم تخلو وزارة من الوزارات او مجلس بلدية من البلديات الكبرى إلا ويعلن فيها النائب العام إحالة عدد من صغار موظفيها إلى المحاكم المختصة بسبب تهم بقضايا فساد واستغلال المنصب ، تاركين الكبار ينعمون بفسادهم ويستمروا به بسبب علاقاتهم ومعارفهم التي قد تكون متورطة هي الأخرى باللعبة ، فضبط النفقات و انتشار الفساد والسكوت عليه لا يجتمعان الا في بلادنا .
رفع الأسعار وضبط النفقات الذي تدعيه الحكومة لا يوافق أو يتفق مع استمرار لعبة الفساد في عدد من دوائر الوطن التي يشار إليها بالبنان على أنها وكر للفساد وتغض الحكومات الطرف عنها وعن مرتكبيها ، ضبط النفقات يعني ملاحقة كل قرش ينفق في غير مكانه ، وضبط النفقات لا يعني تعيين عدد من المستشارين في المؤسسات والوزارات برواتب خياليه تعادل 3 أضعاف راتب وزير ! لإرضاء المقربين والمعارف والشلليه .
رفع الأسعار الأخير وما قد يسحب معه رفع أخر بعد شهر رمضان يعني أن الدولة تريد إغراق الناس بأحاديث الأسعار ورمضان والغلاء بعد أن تفرغوا شهورا سلفت في موضوع الوطن البديل ووثيقة المتقاعدين العسكريين التي شهدت التفافا عظيما وداعما لها والتي تشير إلى وجود هواجس ومخاوف أبناء الوطن من مؤامرة صهيو- أمريكية وفلسطينية رسمية بحق بلادهم ، وهذا لم يعجب رجال الحكم بل واستعانوا برجال حكم لم يكونوا على علاقة طيبة بهم لإنقاذهم من تلك الوثيقة وإصدار وثيقة مخالفة أسموها بالوثيقة الوسطية لتهدئة الخواطر ! وكانت إشارات الغضب الحكومي واضحة بملاحقة واتهام عدد من رجال الحكم والعسكر بتلك الوثيقة ورفع الحراسة عنهم !!
رفع الأسعار قرار سياسي بحت ، لم يكن له أساس اقتصادي بالرغم من الإعلان المسبق الممهد لتلك الإجراءات التقشفية بالحديث المطول والممل عن عجز الموازنة كل يوم في الصحافة والإعلام وعودة أرقام المديونية إلى ما كانت عليه عام 1989 ، مما يعني ان تصفية مؤسسات الدولة وبيع كبرى الشركات والمصانع الوطنية الإستراتيجية لم يكن قرارا صائبا ، لأنه لم يحل مشكله قط ، بل أن عودة أرقام المديونية إلى ما كانت عليه بعد البيع بأربعة او خمسة سنوات يشير إلى انتهاج الحكومات منهجا اقتصاديا مشوها لم يستفد منه إلا عدد من الكبار ممن تضاعفت أرقام حساباتهم البنكية بفعل الوساطة والتسهيلات التي قدمت للمستثمرين في مجالات بيع مؤسسات الدولة والشركاء الاستراتيجيين ومنها مشروع توسعة المصفاة ومدينة الملاهي جنوب عمان و ما كان يعرف بكازينو الأردن وغيره الكثير مما لا يتسع المجال لذكره هنا ، ولولا هبة عدد من رجال الوطن والصحافة الحرة التي حاربت المنهج لما وجدت الحكومة في عهد الليبراليين الاقتصاديين ممن حكموا في اقتصاد الوطن حكم اللئيم الحاقد ما تديره ! فالخاسر الأكبر هو الوطن ، ودافع الضرائب الأردني هو الأغلى ثروة في البلاد فهو القادر على تصحيح المسار وتغطية أرقام العجز على حساب قوت أولاده وتعليمهم .
نعم ، رفع الأسعار قرار سياسي وليس اقتصادي ، هدفه تجويع الناس وجعلهم عبيدا للقمة الخبز يلاحقونها بمرارة للحصول عليها ، بدل الاشتغال بالسياسة والتصدي للمؤامرات التي تحاك ضد وطنهم وشعبهم ، ومن يملك غير تلك الحقيقة ، فليتقدم إلينا بحجته لعلنا نكون مخطئين في حساباتنا و تحليلنا ...