قد يستغرب القارئ هذه الجملة لأنه لا بد أنه سمعها مرارا وتكرارا من قبل عدد من المواطنين الذين خاضوا سابقا أو يرغبوا بخوض الانتخابات النيابية أو البلدية القادمة ، وقصدهم هنا انه تلقى الضوء الأخضر من الحكومة أو الديوان الملكي العامر أو حتى دائرة المخابرات العامة التي يشاع أنها تستطيع الوصول بالمرشح إلى بر الأمان ! ويهدف المرشح من قوله ذاك إلى زيادة أعداد الناخبين من حوله واطمئنانهم إلى إمكانية نجاحه ووصوله إلى الموقع طالما انه يحظى بذلك الدعم ، وقد وقع الكثير من الناس في تلك المكيدة لأسباب تتعلق بالدعم المالي الذي أشيع عن تلقيه من قبل تلك الدوائر الهامة في البلاد او ما قدم للبعض سابقا من تسهيلات حقيقية أوصلته إلى الموقع الذي نافس فيه أناس آخرين هم أكثر جدية و أوسع ثقافة وسياسة وأدرك وعيا وانتماءا لوطنهم وأمتهم وأكثرهم نظافة يد يشهد لها الجميع ! وبالتالي فأن تكرار البعض لمقولة أنه لا يخوض الانتخابات قبل الحصول على الضوء الأخضر أصبحت تتردد من قبل البعض ، وهذا يضاعف من أعداد الناس الملتفين حوله ليس لشخصه بل لتحقيق مصالحهم الشخصية كما حصل سابقا من قبل شخص سبق أنه تلقى الدعم والرعاية من قبل تلك المؤسسات .
نعترف أننا في كثير من انتخابات المجالس النيابية والبلدية السابقة قد شعرنا إلى حد ما بوجود تسهيلات ودعم معنوي أو مادي قدم إلى عدد من أفراد المجتمع دون غيرهم لحسابات وأجندات قد تتعلق بدرجة الانتماء والولاء للبلاد او لعلاقات شخصية مع البعض من علية القوم بغض النظر عن مسلكهم وتاريخهم الاجتماعي او قدرتهم على إشغال الموقع الذي وصلوا إليه ! فكان أن خرج إلينا مجلس نواب سارعت الحكومة وبعد اقل من عامين على حله وإزاحته عن مؤسسات الدولة لما كان يتصف به من ضعف وترهل وهبوط حاد في مستوى الأداء والفعالية وحتى في إقناع الناس بقدرة الكثير منهم على إشغال المنصب .
ليس من المقبول أن يعكر صفو المواطن حين يسمع ان تلك الأجهزة تقدم فعلا التسهيلات والدعم لمواطنين دون غيرهم من غير المنتمين او الصادقين بعملهم لمجرد إبعاد منافسين آخرين غير مرغوب بهم مطلقا ، ولم يعد مقبولا ان يجتاح مجالسنا البلدية والنيابية أفرادا عابثون غير موالون إلا لمصالحهم ومناطقهم وشللهم ، ولم يعد مقبولا ان تخلوا تلك المجالس من رجال يعارضون سياسات الحكومات او البلديات ان وجدوا في قرارات الحكومة وقوانينها ما يحد من حرية الناس او يضيق الخناق عليهم ويزيد من معاناتهم او يعرض البلاد لمخاطر اقتصادية او اجتماعية نسجها البعض تلبية لمطالب اقتصاد السوق وحرية ألتجاره وبيع مؤسسات الدولة الذي لا بد أن ندمت عليه الحكومات كثيرا رغم التحذير من تلك السياسات ، فالمعارضة للسياسات او القوانين غالبا ما تكون لتصويب الوضع وليس لأجل المعارضة فحسب !
أقول و بصراحة وبكل شفافية ، إن الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية ألحرجه التي تواجه البلاد تتطلب وجود مجلس نواب قوي وفعال يحتل مقاعده رجال دولة وسياسة محنكون وليس أصحاب المال فحسب ، ومن هنا فأنه يمكن لهذه الأجهزة إن صحت الأقاويل و الادعاءات أن تتواصل مع عدد كبير منهم ممن تجد فيهم قوة الانتماء والولاء لوطنهم وقيادتهم والراغبون ببنائه البناء الصحيح وتصويب مسيرته ومن ذوي الأيادي النظيفة وأصحاب الحنكة والريادة والتأثير ليكونوا هم رجال القبة في المجلس القادم حتى لو قدمت لهم كل التسهيلات والدعم ، فالعبرة في النتائج ، وان نحذر ممن يملاءون الدنيا وعودا وكلاما مزيفا حول الانتماء والولاء وخدمة العرش ، وهم في واقع الحال إما تجار وطن فاسدون أو أصحاب مصالح وأجندات شخصية لا يقيمون للوطن وزنا إلا بقدر ما ينهلون من خيراته .
ولا يخفى على البعض أن توجيه الانتخابات وإدارتها بالشكل الصحيح حتى وان تطلب توجيها ودعما للبعض دون الآخرين قد تسهم في فرز مجالس وطنية قوية فعالة تبتعد بنا عن صورة و تجارب المجالس النيابية والبلدية التي مضت والتي كان للعابثين وغير المسيسين من \" الأولاد \" الذين احتلوا مقاعدها على حد تعبير الناس\" او من أصحاب السوابق غير ألأمنه حصة لا باس بها من المقاعد استطاعوا الوصول إليها بفعل المال السياسي والدعم وعلاقات القربى والنسب مع بعض الكبار ! ، وان لا تكون الانتماءات العشائرية أو المنفعة هي الحكم في الانتخاب والترشيح كما هي الحال ، فمعضلة الديمقراطية لدينا أنها تختلط مع مؤسسات وانتماءات أخرى تلعب دورا كبيرا في تشويهها أو إضعافها وعدم تشكلها بالإطار الحضاري والوطني المطلوب