زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا يمكن إغفال إنتاجية الهدف السياسي في عملية «التواصل»عن بعد التي شهدها الأردن مؤخرا بين السلطات الرسمية وقيادات التيار الجهادي السلفي التي بادرت بفورها وبعد سلسلة «رسائل أمنية وسياسية» أردنية لهجمة منسقة عبر سلسلة فتاوى لمشايخ التيار تندد بدولة «الخلافة» في العراق وتسحب شرعيتها.
بدأت العملية بالرسالة الشهيرة للشيخ أبو محمد المقدسي بعد نحو اسبوعين فقط من الإفراج عنه من السجن الأردني متهما تنظيم داعش في العراق بتجاوز الأصول الشرعية في إعلان الخلافة وملوحا بالبقاء في الإطار النقدي والتصدي لمحاولة إعلان الخلافة على النحو الذي سارع إليه أبو بكر البغدادي.
بوضوح صدر موقف المقدسي بعد إمتناع السلطات الأردنية عن «تجديد حبسه» المتواصل منذ نحو سبع سنوات وتسبب بحملة شرسة وشبه «تكفيرية» شنتها أقلام ومنابر داعش ضد الرجل.
لاحقا دخل مرجع سلفي آخر هو الشيخ أبو قتادة على الخط حيث نشرت وكالات الأنباء أمس الثلاثاء رسالة له سار فيها على نفس إتجاه المقدسي في سحب الشرعية من إعلان الخلافة في موقف لم يعد سرا أن المؤسسة السياسية الأردنية ترحب به.
حصل ذلك بطبيعة الحال بعد قرار «مدروس بعناية» لمحكمة أمن الدولة الأردنية صدر ببراءة أبو قتادة في واحدة من قضيتين يخضع للتحقيق فيهما والأهم أنه حصل في ظل تنامي المخاوف في الأردن والمنطقة من دولة الخلافة المعلنة من قبل دولة داعش في العراق.
محامي التنظيمات الجهادية موسى العبداللات شكك في وجود موقف مباشر وجديد من الشيخ أبو قتادة لكن المقربين من الشيخ لم يقدموا رأيا معاكسا لرأيه العلني الناقد لتصرفات دولة داعش.
في غضون ذلك يعتقد ان فتوى المقدسي وأبو قتادة يمكن سحبها أيضا على القرار المماثل الذي إتخذه الشيخ أبو محمد الجولاني بإسم جبهة النصرة عندما أعلن «إمارة إسلامية» في محافظة الرقة السورية.
لا تريد مرجعيات السلفيين في الأردن تحديدا توجيه إنتقادات مباشرة لجبهة النصرة بسبب جماهيرتها الكبيرة وسط السلفيين المحلييين لكن الأسس الشرعية المعتمدة في توثيق مخالفات داعش وهي تعلن الخلافة نفس الأسس التي خالفها الجولاني في إعلان الإمارة.
اللافت أيضا أن السلطات الأردنية أفرجت ايضا عن زعيم التيار الجهادي المتشدد الشيخ أبو محمد الطحاوي الذي يحاكم منذ سبعة أشهر فيما عرف بإسم «تظاهرة الزرقاء».
فوق ذلك لم تجدد السلطات إعتقال الطحاوي الذي غادر السجن وشوهد فورا في شوارع الحي الشعبي الذي يقطنه في مدينة إربد شمالي البلاد يلقي خطبا في المارة والعابرين ويقيم مجلسه السلفي.
ما حصل ويحصل مع القادة الثلاث المرجعيين للتيار السلفي الأردني يؤشر على رسالة سياسية باطنية مؤسسة على الظهور القوي والمقلق لتنظيمات داعش في سوريا والعراق وأراء المقدسي وأبو قتادة تحديدا حققت أثرا في الشارع السلفي المحلي وإحتوت الكثير من النقاشات و»لجمت» نسبيا وإلى حد معقول «التعبيرات» المناصرة والمساندة لداعش في أوساط السلفيين الأردنيين بصورة تحقق الهدف من «المرونة» التي تظهرها السلطة السياسية في السياق.
معنى ذلك ومن الزاوية التحليلية أن جهاز القضاء العسكري قرأ الواقع السياسي والمصلحي في نطاق الأولويات الأمنية الداخلية.
وهي قراءة تبدو متطورة قياسا لما كان يحصل في الماضي خصوصا وان أحد المسؤوليين المعنيين أكد مباشرة لـ القدس العربي أن المرونة مع قيادات التيار السلفي المحلي قصدت لدرء مخاطر التيارات المتطرفة التي ترتدي زي داعش على الأقل في النسخة الأردنية من النخب السلفية.
بهذا المعنى يمكن النظر لمؤشرات «الحوار غير المباشر» مع السلفيين في الأردن على أساس أنها «إختبار للنوايا» ولإمكانية عزل تأثيرات داعش والنصرة بمعنى الفكر السلفي الجهادي الخارجي عن سياق القانون غير المكتوب في الحالة الأردنية الذي يتحدث عن إتفاق ضمني على ان الأردن ليس «ساحة للجهاد» بالنسبة للتيار السلفي الجهادي وإن كان سيبقى ساحة لوجستية.
المحصلة أن الدولة العميقة في الأردن بدأت تطور حساسية القلق من نمو التعبير «الداعشي» في جوار وخواصر المملكة وهو تعبير متطرف جدا وجذري بالقياسات المحلية وكان له أنصار في الداخل من الواضح أن مبادرات المقدسي وأبو قتادة تقلص عددهم مما يؤشر على «أداء سياسي» بإمتياز هذه المرة للفريق الذي ادار العملية وراء الكواليس تمتع بالإنتاجية والكفاءة حتى الأن.
القدس العربي