حمادة فراعنة
مسألتان أثارتا الخلاف والنقاش وردّات الفعل المتباينة، تم تداولهما خلال زيارة الوفد الفلسطيني الزائر لواشنطن (حزيران 2010) :
الأولى، عدم رغبة الرئيس أبو مازن في فك الحصار عن قطاع غزة.
الثانية، تصريحه عن حق اليهود في فلسطين.
لقد قدم صائب عريقات من موقعه ومعرفته ردّاً على تسويق خبر مفاده عدم وجود رغبة لدى الرئيس عباس بفك الحصار عن شعبه في غزة، واتهم عريقات صراحة صحيفة عبرية وكاتب الخبر فيها، بعدم معرفة فحوى المباحثات الفلسطينية - الأميركية. وبالتالي عدم دقة الخبر وغياب المصداقية المهنية لدى الصحيفة وكاتب خبرها، وعدم اطلاعه على مضمون المطالب الفلسطينية المقدمة لواشنطن ومع الرئيس أوباما مباشرة، سواء في اللقاءات الثنائية المغلقة، أو المعلنة بين الوفدين الفلسطيني والأميركي، وحصيلتها ضرورة فك الحصار الجائر وغير المنطقي وغير الأخلاقي عن قطاع غزة، وأنه لا يجوز معاقبة أهل قطاع غزة بسبب الوضع السياسي الداخلي المفروض عليهم، حيث لا ذنب لهم فيما هو مفروض عليهم من قبل حركة \"حماس\" بفعل الانقلاب العسكري الذي نفذته قبل ثلاث سنوات .
الجهد الفلسطيني في واشنطن، كما كان في باقي العواصم الأوروبية، التي زارها أبو مازن، كان مركزاً في مجمله على ضرورة فك الحصار عن غزة، وقد أثمر ذلك في تغيير الموقف الأميركي باتجاه زحزحة الحصار وتغيير مضامينه وأشكاله باتجاه التجاوب مع المطلب الفلسطيني المسنود بإرادة عربية وإسلامية ودولية ملائمة .
ونتيجة تصادم المصالح والمواقف والأولويات الفلسطينية، مع مصالح الاحتلال وحكومة نتنياهو وتوجهاته، لجأت إسرائيل إلى وسائل الإعلام لترويج إشاعات ومعلومات مغلوطة، وبطريقة استخبارية منهجية منظمة، تعمل على ضخّ افتراءات متعمّدة تستهدف شخص الرئيس أبو مازن ومواقفه وسياساته، كما سبق ذلك وفعلوا أكثر من مرّة، مما يعكس ضيقهم من الأداء الفلسطيني الذي يهدف إلى كسب أصدقاء أميركيين لصالح المطالب الفلسطينية العادلة، سواء من داخل الإدارة الأميركية، أو من قبل مؤسسات وأفراد لهم إسهاماتهم وتأثيرهم على مواقع صنع القرار الأميركي.
أداء إعلامي استخباري إسرائيلي، مقصود، يهدف إلى إرباك القيادة الفلسطينية، وإضعافها أمام شعبها، وجعلها أسيرة في جبهة الدفاع عن النفس، بدلاً من مواصلة سياستها الهجومية الحكيمة والواقعية ضد حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرّف والتي يقودها \"الليكود\" برئاسة نتنياهو.
لقد نفى صائب عريقات صحة ما نشرته الصحيفة العبرية، ومع ذلك بقيت آثارها عالقة (مثل الرصاصة التي لا تصيب ولكنها تسبب الإزعاج والقلق)، خاصة بعد أن تلقّفها أولئك الذين تستهويهم فرص الانقضاض على الشرعية الفلسطينية بالحق وبالباطل من فروع الأخطبوط الأصولي، فشخص أبو مازن مستهدف باعتباره رمز الشرعية وأداتها، والمس به وبمكانته مساس بمجمل المؤسسة الفلسطينية، وهذا هو الهدف المركزي من التشويهات المتتالية المتلاحقة لإعطاء الانطباع بأن الرئيس الفلسطيني شريك غير مؤهّل للتوصّل إلى أي اتفاقات يمكن أن تصمد، وهي فكرة تشارك فيها حكومة نتنياهو مع حكومة \"حماس\"، كل منهما لسببه الخاص ولحسابه، ومثلما عمل شارون مع \"حماس\" جنباً إلى جنب في شطب اتفاق أوسلو، تعمل حكومة نتنياهو وحكومة الانقلاب على شطب الشرعية الفلسطينية وإضعافها.
أما المسألة الثانية التي أثارت الانتباه واليقظة في زيارة أبو مازن لواشنطن فهي تصريحه عن حق اليهود في فلسطين، وهي مضمون يفترض أن لا يكون خلافياً، اعتماداً على الفهم الديني والأخلاقي والإنساني والوطني، فالصهيونية هي التي تقوم على مغالطتين لا أساس لهما في الماضي وفي الواقع، وهي: الأولى، أن فلسطين وطن خالص لليهود. والثانية، إنهاء الآخر وتصفيته، وعلى أرضية هذا الفهم العنصري الاستعماري أقامت مشروعها الإسرائيلي على أرض فلسطين وطردت الفلسطينيين العرب من المسلمين والمسيحيين وشردتهم من وطنهم فلسطين من مناطق الاحتلال الأولى العام 1948 والاحتلال الثانية العام 1976.
بينما الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية يؤمنان استناداً لوقائع التاريخ والواقع أن الشعب الفلسطيني بمكوناته الإنسانية لم يكن في أي يوم من الأيام من المسلمين وحدهم أو من المسيحيين وحدهم أو من اليهود وحدهم، بل كان مزيجاً من المسلمين والمسيحيين واليهود، عاشوا معاً، ولكن مثلما حاولت الحملات الصليبية الأوروبية جعل فلسطين مسيحية وللمسيحيين وحدهم، تسعى الصهيونية عبر مشروعها الاستعماري الى جعل فلسطين وطناً لليهود، ومثلما فشل مشروع الحملات الصليبية الأوروبية الاستعمارية، سيفشل مشروع الصهيونية الاستعماري، فاليوم على أرض فلسطين الكاملة رغم التفوق الإسرائىلي وطرد قطاع واسع من اللاجئين، هناك على أرض فلسطين خمسة ونصف مليون عربي فلسطيني من المسلمين والمسيحيين سواء في مناطق 1948 في الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل المختلطة، أو في مناطق 1967 في الضفة والقدس والقطاع.
العداء والرفض العربي الفلسطيني الإسلامي المسيحي للمشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، القائم على جلب المستوطنين الأجانب وإسكانهم على أرض فلسطين، وجعل فلسطين طاردة لأهلها وشعبها وتهجيرهم، لا يعني إلغاء حق اليهود في فلسطين باعتبارهم جزءاً من أهل هذه البلاد فلسطين، كانوا ولا يزالون، وسيبقون منذ بداية تاريخ الديانات السماوية، ففلسطين أرض الديانات ومهد اليهودية والمسيحية وجزء من المكون والتراث الإسلامي، أرض الإسراء والمعراج وأولى القبلتين وثالث الحرمين.
بهذا الفهم الإيماني العقائدي أولاً والواقعي ثانياً يتصرف ويصرح الرئيس ابو مازن، فهو يقدم روايته باسم الشعب الفلسطيني في مواجهة الرواية الصهيونية، رواية الاستئصال ونفي الآخر، ويقول ان اليهود جزء من الشعب الفلسطيني ولهم الحق في فلسطين مثلهم في ذلك مثل باقي مكونات الفلسطينيين من المسلمين والمسيحيين، وغير ذلك فهو باطل، سواء بإعطاء اليهود كامل فلسطين وإلغاء الآخر، كما تفعل الصهيونية، مثلما هو باطل إلغاء حقهم في فلسطين كما يقول بعض الأصوليين المتطرفين في الجانب الفلسطيني أو العربي أو الإسلامي .
فلسطين لم تكن ولن تكون للمسلمين وحدهم، ولم تكن ولن تكون للمسيحيين أو لليهود، ذلك هو حصيلة التاريخ والواقع، بل ستبقى لشعبها مهما كان الواقع السياسي عنيداً ومتطرفاً وأحادياً، فالمكونات الإنسانية الثلاثة هم شركاء في التاريخ والواقع وسيبقون كذلك في المستقبل، وستهزم وسائل وأساليب الاستئثار، مثلما ستهزم أدوات وأفكار الاستئصال، وستبقى الشراكة كما هي الحياة.
h.faraneh@yahoo.com
الموقع الالكتروني :
www.jo-pal.com