ربما لم تُتح الفرصة الكافية لتوفيق الضمور كجيولوجي لممارسة التنقيب على أرض الواقع، والبحث عن المعادن الثمينة والمصادر الطبيعية والكنوز في أرض أردن الخير، فاتجه نحو شبكة الإنترنت فوجد فيها ميداناً واسعاً للتنقيب والبحث، فخرج منها وما زال بحصيلة ضخمة مدهشة على شكل (مكتبة إلكترونية) تجاوزت مئات الآلاف من المواد العلمية بمختلف تخصصاتها من: صور ولقطات فيديو وملفات فلاش وعروض إلكترونية ومستندات، تخدم كافة الأغراض التربوية التي يحرص على إثرائها بصفته معلماً في مدرسة الهاشمية الثانوية في لواء الهاشمية.
تعرف توفيق الضمور على الكمبيوتر وشبكة الإنترنت قبل خمس سنوات فقط، فوجد فيهما بغيته، وقرر أن يكون لعلاقته معهما شكل آخر، لم يرضَ أن يكون مجرد مستهلك، ولم يستخدم الكمبيوتر أو شبكة الإنترنت للتسلية وتزجية الوقت، بل اعتبرهما كنزاً ثميناً، وفرصة لأن يستغلهما لخدمة أهدافه وتحقيق رؤاه التربوية، ويضع كل ذلك في خدمة طلبته وزملائه المعلمين في مدرسته.
شبكة الإنترنت متاحة للجميع، وفيها ما فيها من معارف وعلوم ومعلومات في كل مجال، ولكن قلة تنبهت إلى أهميتها وضرورة توظيفها، ومن هذه القلة بل الندرة يتبوأ توفيق الضمور الصدارة والريادة، ولم يقتصر عمله على التجميع، بل تجاوزها للتبويب والتصنيف والتعديل والتحرير، بالإضافة إلى إنتاج مواد تعليمية جديدة بجهده الشخصي وبالتعاون مع طلبته، ناهيك عن مشاركاته الواسعة كفاعل ومؤثر في مجموعة كبيرة من المواقع والمنتديات الإلكترونية مشرفاً ومراقباً، مؤكداً أنَّ شبكة الإنترنت مجال خصب لمن يريد، وأن التعامل معها لا يقف عند حد معين، وأنه يمكن توظيفها واستغلالها بفعالية وإيجابية.
مشروع توفيق الضمور الموسوعي (المكتبة الإلكترونية) التي تزيد سعتها عن 30 جيجا بايت هي مشروع تربوي يسعى إلى إحداث تغيير نوعي ملموس على أرض الواقع، وتعميق استيعاب الطلبة للمفاهيم التعليمية، وتسهم المكتبة الإلكترونية في إغناء عملية التعلم والتعليم بالبرمجيات اللازمة، وتعمل على تخفيف الأعباء عن عاتق المعلمين بما تحتويه من برامج وعروض للدروس وبنوك للأسئلة وأوراق عمل وخطط وغيرها.
ورغم العلاقة اليومية الوثيقة بين توفيق وشبكة الإنترنت، فإنَّ ذلك لم يمنعه من المشاركة الواسعة في مجالات تطوعية متعددة، مثل المشاركة في المؤتمرات المختلفة ذات العلاقة بتخصصه أو اهتماماته الواسعة، وآخرها المؤتمر الطلابي الأول ضمن خطة النهوض الوطني في مديريته، وتأسيسه للنادي البيئي والنادي المروري في مدرسته، وجمعية البيئة الأردنية، وعضوية نقابة الجيولوجيين، والجمعيات التعاونية والخيرية في أكثر من مكان.
لم يتوقف توفيق عند دراسته الجامعية في جامعة الموصل فحسب، بل عمل بجد وتصميم لتنمية نفسه مهنياً وعلمياً من خلال الدورات المختلفة وحضور الندوات وورش العمل والمؤتمرات، ولا يتردد في المشاركة في أي دورة أو ورشة تزيده علماً وخبرة ومهارة.
مسيرة الضمور العملية غنية بالتنوع ما بين المصانع والشركات وسلطة المصادر الطبيعية والثقافة العسكرية ووزارة التربية والتعليم، ووجد في مهنة التعليم رسالة مقدسة ليست كأي عمل معتاد، ومن هنا يسعى توفيق للتميز عن الآخرين دافعه إلى ذلك الإخلاص وحب العمل والانتماء التي هي مقومات المعلم الناجح في الوقت نفسه. ويرى أنَّ الطلبة هم شموع المستقبل وأنَّ لديهم آفاقا وطاقات رحبة عليهم استغلالها، ولزملائه المعلمين يقول: بين أيدكم أمانه هم هذا الجيل الواعد فليخلص كل بعمله وليؤد أمانته .
ومن أجل أن يؤدي المعلم مهمته على أكمل وجه يطلب توفيق من الإدارة التربوية على مختلف مستوياتها أن تراعي المهام والأهداف التي يسعى إليها التعليم، وأن تلتفت إلى الطالب أكثر، وأن تبتعد عن الشكليات غير المجدية فعلياً، وأن تهتم بشكل أكبر بأعمدة التعليم الأساسية وهي الطالب والمعلم على حد سواء، وأن توفر للمعلم المستلزمات اللازمة لتأدية دوره المنوط به كمرب وليس مجرد موظف يؤمر فيطيع. ويؤكد على أهمية التحفيز والتشجيع وأنه لم يجدهما إلا من خلال توجهات فردية يقدرها ويحترمها ويعتز بها، ويأمل أن يتحول التعزيز والتحفيز إلى سياسة تربوية مؤسسية؛ ليؤدي دوره في تعزيز المعلمين المميزين، ومنحهم دفعة قوية للسير قدماً في خدمة وطنهم وطلبتهم.
يرى توفيق الضمور أنَّ سبب ضعف مخرجات التربية مع كل الجهود التي تبذل على الحوسبة والأجهزة وتدريب المعلمين هو الاهتمام الشكلي بتطوير التعليم وعدم رصد منتجات التعليم على أرض الواقع، ولأنها تستند إلى نظريات لم يتم تهيئتها في بيئاتنا التعليمية بشكل سليم. وللخروج من الأزمة التربوية والتغلب على الصعوبات، يرى أن تعمل جميع أطراف العملية التعليمية كأسرة واحدة، وأن لا يُحمَّل المعلم وحده مسؤولية ما وصلنا إليه، وليتحمل الجميع مسؤولياتهم بدءاً بالسياسات التربوية ومروراً بإدارات التعليم ذات الأداء البيروقراطي، والمجتمع بأسره ووسائل الإعلام والطلبة أنفسهم.
توفيق الضمور إنسان يطمح لتحقيق ذاته، يجد نفسه في أي عمل، مستكشف، متحمس، يصبو للنجاح في عمله بما يرضي خالقه سبحانه، يعمل على نشر ثقافة التعليم الإلكتروني بشكل عملي وممنهج، حقق أشياء كثيرة، ولكنه يطمح بالمزيد، بل إنَّ طموحاته لا حدود لها، وهي تعانق الفضاء كما عانقت الفضاء السايبيري الذي أبدع فيه، ورسالته في الحياة: أننا قد نكره عملاً، ولكن ذلك لا يبرر لنا عدم الإخلاص فيه، والتعليم عمل يستحق الحب.
وأخيراً، فهذا هو المعلم توفيق الضمور صاحب (المكتبة الإلكترونية) هذا المشروع الموسوعي الضخم، يستحق كل الدعم والمساندة من الجهات الرسمية والأهلية، التي يؤمل أن تتبنى هذا الجهد الرائع، وأن تعمل على توظيفه ليحقق الأهداف التي صنع من أجلها، وأن لا يُغمط حقه، وأن توفر له كل ظروف التميز والإبداع، وهو في الوقت نفسه نموذج لمعلمنا الأردني المميز، الذي يعمل بجهوده الخاصة وعلى حسابه الشخصي، ولا تمنعه أية عقبة من تحقيق أهدافه وإثبات نفسه وتأكيد تميزه. عمل توفيق ما عليه وأكثر، وعلى حساب وقته وصحته وأسرته ومسؤولياته المتشعبة، وعلى الآخرين أن يقوموا بدورهم ويؤدوا واجبهم.
mosa2x@yahoo.com