بعد أيام قليلة جدا ينطلق مهرجان الأردن السنوي, ينطلق من هنا, من عمان الحبيبة بعد أن عبر سنوات من الهجر والابتعاد عن عتبات جرش ومدرجاتها الأثيرة ..وطرقاتها العريقة المفروشة بصوان الحياة وأعمدتها الباكية ورافضة الإنحناء, مهما قسونا عليها ,ومهما جرنا بحقها, فهي الإبنة البارة بأهلها تردد صبح مساء(أهلي وإن ضنوا علي كرام) فجرش التاريخ هجرها المهرجان مبتعدا رويدا رويدا ,ليخفت ضوء شعلة كانت لسنوات عشقناها تتردد في جنبات الساحات ,متلألاةً بنور خفاق لا ينطفيء إلا بانتهاء آخر المطاف,مختزنة لترددات صدى من جاؤوا وفرحوا في أفياءها وتبقيها عالقة في جنبات الأودية وردهات المكان ,منتظرةً صيفا قادما ليعود منتشيا بزواره ومنتظريه عبر المواسم ليعطيهم فرح الغلة ويطعمهم من بيدر الحصاد...
لماذا قتلوك وأصدروا حكم إعدامك دون أن يسألوا من كانوا بك يهنؤون ومن كنت لهم لهفة انتظار وموعد شوق لا تخلفهم الميعاد؟؟؟عندما أطلقوا رصاصة رحمتهم عليك لِمَ لم ينقذوك ولم يحاولوا حتى تخفيف حكمك وإعادة بعضا من مجدك التليد؟فاستلوك من غمد وجداننا وقضوا على كل آمالنا بعودتك البهية وعدنا بخفي حنين نبكي زمنا زاهرا كنت أنت فيه السيد وكنت حلم الزمان...فمن وقف على أدراجك ومن قدم لا زال في كل لقاء يذكرك بالخير أيها الراحل عنا ويذكرون فضلك عليهم وكيف أنك ما كنت لهم إلا انطلاقة مجد وترنيمة غاروإكليل بهيج زينت به هاماتهم وجعلتهم يتقدمون وينطلقون...
لقد كنت بحق شقيقا كبيرا ونموذجا يحتذى لمهرجانات من حولنا وعلى امتداد وطننا العربي لا زالت تكبر وتتمدد فوق ساحات مدنها التي توازيك يا جرش التاريخ عراقة هذا إن لم تكوني أنت نجمة هذه المدن وعروس تلك المدرجات..لكن الفرق أنها هي أُخذ بيدها نجو النجومية والمجد وأنت أخذوا بيدك نحو هاوية العز وحفرة الموت القسري أيتها العريقة مدينة المجد وبوابة التاريخ في حاضرة الشام ومدنها وبواديها
نحن لسنا ضدك يا عمان الحبيبة لأنك خير من يحتضن المهرجان وأنت الأم وخاصرة الوطن وسيف كبرياءه..لكننا ضد هذا التغيير النوعي, والبرمجة المبتعدة بروح المهرجان عمن اعتادوا عليه وتنفسوا ألقه...إنهم يحلقون في عالم من التخطيط المرهون بعنصر الثراء والطبقية الموغلة في قتلها لروح المهرجان الشعبي الذي يراعي قدرات أبناء الوطن من جنوبه لشماله ومن شرقه لغربه فالكل له حق المتعة وارتياد المهرجان والتمتع بما يقدم لهم من لحظات فرح عفوي لهم ولأسرهم وأطفالهم الضاحكون... وحصره في عمان سيقتل الكثير من تلك الروح ...فأزمة الشوارع وضيق الأماكن ومحصورية الموقع كلها سوف لا تبقي إلا على من هم من نخبة المال ليحضروا فجيوبهم المنتفخة لن تتأذى من دفع مئات الدنانير لحضور فعالية موسيقية لفنانين نحترم فنهم او امسية غنائية لمطرب او فرقة عالمية لكنهم عن روحنا هم بعيدون...هذا إضافة أن لحصرك يا مهرجاننا في عمان الأغلى سيحرم مناطق اخرى في بلدنا الحبيب من مردود اقتصادي وحراك سياحي هم أهل له ومن حقهم أن يستفيدوا من مكتسبات هذا المردود لتحسين أوضاعهم الحياتية.
أعيدوا لنا ألقنا ويساطة مهرجاننا وأبعدونا عن بهرجة العصر وتعقيداته وسياسات الثراء الجارحة لمعظمنا , دعونا نحس ونفتخر بحضور أردني متميز فالمهرجان يحمل اسم الوطن دون هويته وهذا مما نحن بسببه محزونون, فمن حق أطفال الأردن أن يستمتعوا ومن حق عائلاته أن يشاركوا بفرح وطني أردني يعبق بتاريخ أمة ويداعب أحاسيس شعب لا يكن إلا الولاء والإنتماء ولا يتقن إلا عشق الوطن ...
رغم جرحنا وحزننا هذا نقول مرحبا بكم ضيوف مهرجاننا الأردني الذي نأمل وننتظر رغم أننا لن نحضر, نرحب بكم من أينما جئتم أحباءنا ونستميحكم عذرا بأن لا تنسوا وأنتم فرحين من أننا حرمنا من ذلك الفرح وأنهم سلبوا منا هذا الألق لككنا بشهامة أصالتنا نقول لكم أهلا ومرحبا فديرتنا لا تعرف حقدا ولا بد من أن تحتضنكم بكل ود واعتزاز.