عندما نذكر أو نتحدث عن مادة \" القهوة \" فنحن تلقائياً وقبل كل شيء نتحدث عن الكرم الأردني وأصالته في حُسن الضيافة ، فحيثما حللنا ، وفي كل بقعة من مدن وقرى المملكة الأردنية الهاشمية ، من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال ، ومن شرقه إلى غربه ، وفي كل الدواوين والبيوت تجد الترحاب دائماً مكللاً \" بصب القهوة السادة \" على الضيوف ، لقد ورثنا عادتها من عادات وتقاليد الأجداد التي تنمُ عن الكرم والطيب الذي يتمتع به الشعب الأردني ، و أصالته في تقدير واحترام الضيف ، فتقديم القهوة تحتل المركز الأول في معنى الكرم والضيافة داخل المجتمع الأردني ، وهي الركيزة الأولى لاستقبال الضيوف في أغلب المناسبات الرسمية وبأفراحهم وأتراحهم وزياراتهم الاجتماعية . والضيف الذي لا تُقدّم له \" القهوة \" يشعر بالإهانة وعدم التقدير والاحترام ، و أن \" المعزب \" قد قصَّر في تقديم واجب الضيافة ، فَيَكُفُّ عن زيارته وربما يقاطعه لفترة طويلة .
\"\" وتعود قصة اكتشاف القهوة إلى راعي أغنام لاحظ أن غنمه لا تنام الليل وتنشط وتمرح بشكل غير طبيعي ومغاير عن العادة بعد ما ترعى في مرعى تنمو فيه شجيرات لينة لها ثمرات عنبية ، فدفعه ذلك إلى أكل النبات من نفس المرعى ثم جرب شربه مغليا وشعر بالحركة والنشاط ، وكان هو بذلك أول من اكتشف نبات البن والذي تصنع منه القهوة \"\"\" .
\" القهوة \" وإعدادُها من العادات الأصيلة التي لا زال الشعب الأردني يتغنى بها ، ويتفاخر ويعتزّ بمن أورثه إياها ، ويَعتَبِرْ أن من لا يُجيد صناعتها أو تكريم الضيف بها ، يكون قد رُبيَّ في بيتٍ غير ذي كَرَم . ويقال أن القهوة سميت قديماً \" بخمر الصالحين \" وذلك لأن احتسائها كان يعمل على تقويتهم وتنشيطهم لأداء العبادة ويستعينون بها على التهجد وقيام الليل .
أذكر وقبل ما يزيد الثلاثة عقود من الزمن كم كان جدي لوالدي \" يرحمهم الله \" والذي شرفني بحمل اسمه واقتنائي لأدواته التي كان كثيراً ما يفخر بها ، حيث كانت تعتبر رمزاً مهماً له لأداء واجب الضيافة لزائريه ، فدقة المهباش التي لا زالت مستقرة في الوجدان ، والجوار الذي كان يترنم على تقاسيم دقة مهباشه الأصيل ، ورأفته الحانية التي كان جدي يَحِنُّ بها على حبات \" القهوة \" في المهباش ويدغدغها بعصاه لطحنها ، عودت أذان هؤلاء الناس من الجوار في كل صباح على سماع أنغامه ، وعشقت أنوفهم رائحة حَمْسِها في المِحْماس ، ولذة مذاقها في دلال النحاس ..!!
وتقديم القهوة للضيف لها أصول وقواعد تعلمنا منها العديد من الخصال الطيبة ، فعلى المضيف \" المعزب \" مسك دلة القهوة باليد اليسرى والفناجين باليد اليمنى ، وتذوق القهوة قبل أن يبدأ بتقديمها للضيوف وذلك للتأكيد على جودتها و إعطاء الأمان للضيف ، وعادة ما تصب القهوة للكبير ثم من يليه من الحضور ويجب أن يكون المعزب واقفا ، وتصب القهوة عادة ثلاث مرات وبكميات قليلة في قاع الفنجان ، وبعد صب الفنجان يجب على الضيف أن يهز الفنجان إشارة إلى اكتفائه منها ، وهذه جميعها دلالات واضحة على التقدير والاحترام الواجب تقديمه للضيف ..!!
إن الارتفاع الذي طرأ مؤخراً على سعر مادة \" القهوة \" نتيجة رفع نسبة الضريبة عليها ، وهذه المادة التي لا زالت الحكومة تعتبرها \" جزافاً \" من السلع الكمالية غير الضرورية والتي ترى أنه يمكن الاستغناء عنها ، متجاهلة \" أي الحكومة \" ما تعنيه القهوة للعادات والتقاليد الأردنية في العديد من المناسبات الرسمية والشعبية .. ونظرة الحكومة هذه ما هيَّ إلا نكران وجحود لعاداتنا وتقاليدنا التي استقينا منها الكثير من القيم والأخلاق الحميدة التي نفاخر بها الأمم !!
وهذا الارتفاع في أسعار هذه المادة \" القهوة \" والتي تعتبر من أساسيات التواصل الاجتماعي بين الناس ، سيكون له أثراً سلبياً على عاداتنا وتقاليدنا في إكرام الضيف ، والتي تحتل القهوة فيها الركن الأساس من أركان \" إكرام الضيف \" التي يمتاز بها المواطن الأردني منذ القدم .. !!
أما من الناحية الأخرى ، هناك الكثير من الناس لا ترغب أن تستيقظ من نومها إلاّ على رائحتها واحتساءها صباحاً ، ليبدأوا يومهم بنوع من الحيوية والنشاط ، ولا يمكن أن يستعيضوا عنها بأنواع أخرى من المشروبات .
ومن أجل الحفاظ على موروث الآباء والأجداد من أصالة في إكرام الضيف ، وعلى ما تبقى فينا من نشاط وحيوية تجاه أعمالنا ووطننا لا بد أن تكون نظرة الحكومة إلى هذه المادة \" القهوة \" نظرة عادلة تستحق معادلتها مع السلع الضرورية والملحة الواجب توفرها للمواطن وبأقل الأسعار ..!! م . سالم أحمد عكور akoursalem@yahoo.com