... نظرية الصواب و الخطأ قانون علمي انتهى العمل به منذ عقود طويلة كان ان استخدم لإثبات او نقض نظريات يعمل العلماء على التثبت من جدواها في مجالات علمية واجتماعية واقتصادية ، لكن حكوماتنا الرشيدة لا زالت تعتمد هذه النظرية التجريبية في بناء وتنظيم وإدارة مؤسسات البلاد والحكم ، فسارعنا الى اعتماد نظرية الصواب والخطأ في المجال الاقتصادي واعتمدنا سياسة اقتصاد السوق دون أن تتهيأ الفرص والإمكانات والظروف لاعتماده مثلما فعلت الدول الكبرى التي انتظرت خمسينا عاما ونيف لاعتماده ، فقمنا ببيع المؤسسات الاقتصادية الكبيرة التي تدير وتستثمر ثروات البلاد المتواضعة و التي كانت بمثابة نفط وطني يدعم اقتصاد البلاد ، وقمنا بتحرير الأسعار واكتشفنا ان ذلك لم يف بالغرض بل وزاد من تفاقم الأزمة الاقتصادية وعادت المديونية كسابق عهدها قبل اعتماد النظرية وكان لها التأثير السلبي على مختلف حياة الناس ومعيشتهم ولم يستفد منها إلا القلة القليلة ممن تاجروا بالبلاد ونهبوا ثرواته فيما عانى أغلبية المواطنين من تلك السياسات !
وأما ما يتعلق بتنظيم وإدارة مؤسسات الدولة فقد اتخذت الحكومات قبل عقود قليلة ماضية قرارا بحل المجالس البلدية المحيطة بالعاصمة وضمها الى مدينة عمان واعتمد قانون أمانة عمان الكبرى ، وتمت ترضية تلك البلديات بأعضاء منتخبين ومعينين من قبل الحكومة لإنجاح المشروع ، فعانت أمانة عمان ما عانته حين بلغ عدد أعضاء المجلس 64 عضوا بين منتخب ومعين في مجلس ليس له مثيل عددي في أي مدينة كبرى في العالم ! والسماح لمن يجيد القراءة والكتابة الترشح لعضوية المجلس !!! فازدادت قواعد الفساد والشلليات والمحسوبيات المنفعية او العشائرية ألضيقه وتعيينات المستشارين والمدراء برواتب خيالية وصلت حد أن يبلغ راتب مدير منطقة المدينة مثلا إلى 7000 ألاف دينار شهري حسب الهيكلة الجديدة للأمانة ، وكانت كل تلك التجاوزات من اجل إرضاء الأعضاء الكثر في المجلس والضغوطات الخارجية من قبل المتنفذين الذين وجدوا في أمانة عمان ارض بور لتحقيق أهدافهم المختلفة ونهب أموالها ، وازدادت التعيينات إلى درجة لا تتوافق وإمكانات الأمانة وحاجتها ، وبرز تيار مستفيد مستغل لموقعه عبر ما يقدمه من تسهيلات ومنح على حساب أمانة عمان لصالح زيادة رصيده ومنافعه في مجلس الامانه فتضاعفت مديونية الأمانة بعد أن بلغت مبلغا عظيما في الدخل والقوة المالية تحسد عليه ، واضطرت معها أمانة عمان للاقتراض من البنوك وعلى رأسها بنك تنمية المدن والقرى وبيع حصصها في بنك الإسكان وبيع الأراضي التي كانت مخصصة للمنفعة العامة من اجل تسديد العجز وتوفير الدخل لتغطية نفقاتها .
يجري الحديث هذه الأيام عن إعادة تشكيل مجلس أمانة عمان الكبرى بحيث تقسم مناطق عمان إلى سبعة أقاليم ممثلة في المجلس بعضوين اثنين لكل إقليم بالإضافة الى عدد مماثل من الذين يجري تعيينهم لأسباب لا نعلمها ولم تعد هناك أصلا حاجة إليها الا من باب حرص الحكومة على موازنة المجلس واسترضاء البعض وتمثيل المؤسسات المختلفة وهذا قد يبدو مقبولا إلى حد ما لكن ليس بعدد مماثل للمنتخبين منهم ، وبغض النظر عن عدد الأعضاء هنا ، فقد باتت الحاجة ملحة إلى إعادة النظر بقانون أمانة عمان من خلال تقليل عدد الأعضاء والمطالبة بضرورة حصول المرشح لهذه العضوية على الشهادة الجامعية الأولى بدل أن يجيد فقط القراءة والكتابة كما يجري ألان !!
بالنظر إلى الاستعدادات الوطنية للانتخابات البرلمانية القادمة ووجود رغبة لدى العديد من رؤساء وأعضاء بعض المجالس البلدية الذين سيستغلون موقعهم لمضاعفة أعداد المنتفعين من هذه البلديات لصالحهم في الانتخابات البرلمانية القادمة سواء بالتعيينات والخدمات او المعونات التي تقدم في شهر رمضان وتسهيلات الحج والعمرة ودعم الطلبة المحتاجين وغير المحتاجين كما يجري ألان ، فقد باتت الحاجة ملحة وضرورية لحل تلك المجالس وتعيين لجان إدارة جيدة لتلك البلديات لحين موعد الانتخابات البلدية في الصيف القادم ، لأن ما يجري ألان من استغلال ونهب لثروات وإمكانات البلديات لم يعد مقبولا ويجري بمعرفة ودراية الحكومة ورؤساء وأمناء تلك البلديات الذين يراقبون ما يجري دون أدنى رغبة في وقف هذه التجاوزات ، بل ستجد الحكومات نفسها في ورطة الآلاف من التعيينات التي تمت على يد البعض لصالح حملتهم الانتخابية والذين سيتم الاستغناء عنهم لا محالة وخاصة المعينين منهم على نظام العقود والمستشارين بعد انتهاء فترة المجالس الحالية !! فهل ستسارع الحكومة الى وقف استنزاف ثروات تلك البلديات ووقف تدهورها قبل فوات الأوان إن كانت جادة في طريق الإصلاح ووقف استغلال المنصب !!