لا أذكر أين قرأت أن \"الوحدة تحيل الإنسان إلى وحش\" ..!
وأنا وحش أمشي على \"أربع قوائم\" وأعيش في البرية.
أعيش بمنتهى البساطة والبلادة والهدوء ، أستيقظ صباحاً أفرك عينيّ بظهر يدي ، وأنفض جسدي لأتخلص من البلادة ومن بقايا النوم الذي ما زال عالقا بداخلي ، وشيئاً فشيئاً ينجلي الغباش من أمامي ، وتظهر التفاصيل بشكلها الحقيقي وتنفرد الألوان بطبيعتها ، أتمشى بهدوء وصمت وأنا خافضاً رأسي إلى الأسفل غير عابيء بالطريق المفروض أمامي ، ولا بأشعة الشمس الأفريقية المتجهمة ، ولا بتلك الأصوات التي تعلو في سماء الغابة وتردني بشكلٍ متقطع من مصدر أجهله ، ولا بتلك الهمسات التي تنهش جسدي كذباً وتلفيقاً ، ولا حتى بتلك الاشارات التي يصدرها أحدهم بأصابعه ، ليغلق بعدها فمة بكفه كي لا تصدر عنه ضحكة شريرة تكشف سره!
أصل إلى بركة ماء قريبة ، أنظر الى صفحتها التي أخذت تلمع تحت أشعة الشمس ، أغطُ فمي فيها وأشرب إلى أن أرتوي ، وعندما أرفع رأسي ؛ أرى وجهي على صفحة الماء فأرتد إلى الخلف فزعاً ومرتعباً!
أعود باحثاً عن وجبة طعام التهمها لأسد بها جوعي، وبعد جهد وجدت شيئاً تافهاً لتلك الغاية ، التهمتها كيفما أتفق ، وبعدما يتسلل الشبع إلى داخلي ؛ أجد أنه من الأجدر أن أتقيأها!
أصعب ما يصادفني كوني (وحش) في غابتي ، هي تلك الحالات التي تعتريني فجأةً .. فأحياناً أرغب في الضحك دون سبب لمجرد أني لم أمارس تلك العادة منذ فترة طويلة ، وأحيانا تداهمني نوبة حزن تدفعني للبكاء ببساطة بدون أسباب !
ففي احدى المرات وقفت وسط الغابة أجول بنظري قاصداً شيئاً جميلاً يدفعني لأن أضحك أو أن أتعثر بمشهدٍ حزين يسحبني من أذني كي أبكي ، شرعت بالبحث عن سبب إلا أني لم أنجح ، وكأن الغابة قد أصبحت جثة هامدة ، لذا اعتبرت هذا السبب كفيلاً ودافعاً قوياً كي أضحك ، لذا ضحكت كثيراً .. وضحكت .. وضحكت حتى أني لم أعد أتمالك نفسي فسقطت على ظهري ، وعندما انتهيت من جولة الضحك ؛ عدّلت جلستي وأسندت ظهري إلى جذع الشجرة الكبير ، وأخذت أمعن النظر في هذا المدى المتاح أمامي ، وعدت للضحك مجدداً ، حتى اختلط ذلك الضحك بحزني ، ثم اجهشت بالبكاء!
\"الوحدة تحيل الانسان إلى وحش\"!
وأنا على استعداد أن أبقى وحشاً بكامل قوائمي ، على أن احيا مع أحدهم دون رغبة مني!
فمعرفة أحدهم أسوأ من الوحدة ذاتها!!
حمزة مازن تفاحة
Tuffaha4@yahoo.com