لا يكاد يمر أسبوع إلا وتطالعنا الأخبار بوجود تجاوزات في التعيينات في مختلف المؤسسات و الدوائر الحكومية بطرق ملتوية تعتمد الواسطة والمحسوبية لتمريرها .
بالمقابل يطل علينا بين الحين والآخر احد المسؤولين الكبار ليذكرنا بالتزام الحكومة بالنزاهة والعدالة وتكافؤ الفرص في عملية التعيين , كان أخرها يوم أمس (27/6) حين أكد مدير عام ديوان الخدمة المدنية التزام الديوان بمعايير العدالة والمساواة في التعيين .
لدى نسبة كبيرة من الاردنين قناعة نسبية بعدالة ونزاهة وصدقيه عمل ديوان الخدمة المدنية, لأنهم يدركون ان عمل الديوان لا يتجاوز تنظيم وترتيب أسماء طالبي الوظائف في دور طويل جداً على أبواب وزارة التربية والتعليم ووزارة الصحة وبعض الوظائف الهامشية في باقي الوزارات , لان هذه الوظائف تعتبر بسيطة وعادية و التجاوزات في تعيينات هذه الوظائف محدودة ويمكن تفهمها إذا ما قورنت بغيرها من الوظائف حيث تعتبر (ما عليها العين) ولا تناسب (برستيج) وإمكانيات وخبرات أبناء الذوات , وراتبها لا يتجاوز حد الفقر. فلم نسمع مثلاً ان ابن (دولة) عين مدرساً في ذيبان, او ابن ( معالي) عين ممرضاً بمستشفى الكرك , أو ابن(عطوفة) عين طوافاً في زراعة الرمثا ....
لذلك فأن أبناء الذوات (الدولة والمعالي والسعادة والعطوفة ) لا تعنيهم هذه الوظائف ولا يتنافسون عليها , وإنما يتنافسون على وظائف (59) مؤسسة حكومية أخرى , ويتنافسون على تعيينات مجلس الوزراء ,وعلى العقود الشاملة والرواتب الخيالية والعلاوات والامتيازات , يتنافسون على وظائف ( مدير عام , مدير دائرة , رئيس هيئة ,مؤسسة ,مستشار قانوني, سياسي , خبير ..الخ ) فهذه الوظائف لا تخضع لنظام الخدمة المدنية ولا يوجد معايير واضحة وشفافة لقياس مدى العدالة والنزاهة في التعيين , بل تخضع للواسطة والمحسوبية والمزاجية والتنفيع . فلم نسمع يوماً ان ابن (موظف) عين مستشاراً في رئاسة الوزراء, او ابن (عسكري) عين رئيس هيئة, او ابن (حراث) عين مدير عام .
هذه السياسة التميزية بين المواطنين في التعيينات تؤدي الى تقسيم الناس الى طبقات , وتزيد من مستوى الشعور بالظلم والتذمر والإحباط والاحتقان, مما ينعكس سلباً على سلوكيات الأفراد بالمجتمع وعلى علاقة المجتمع بالدولة , وما حالات الانتحار والعنف المجتمعي ومخالفة القوانين ومقاومة رجال الامن الا نتيجة , والفساد الاداري احد اهم اسبابها .
لذلك ,اذا كانت الحكومة جادة في مكافحة الفساد , فعليها اولاً محاربة الفساد الاداري المتمثل بالواسطة والمحسوبية في التعيينات الحكومية وإخضاع جميع التعيينات لكافة الوظائف في الدولة لنظام الخدمة المدنية وفق معايير النزاهة والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ..