ترتكز الدولة المدنية على ثوابت ديموقراطية متعددة ومُسّلمات تحفظ كينونتها يأتي على رأسها وجود جيش وطني غير مُسيَس حزبياً ومؤسسة ترعى التعليم الوطني الخالي من التوجهات الفئوية والمناطقية والحزبية ايضاً , فمؤسسة الجيش والتعليم بوصفها الأقرب لحياة المواطنين ومُكِون الدولة الاساسي عدداً وأهميةً تؤمن بالوطن وتحضى بالاحترام الواسع لذا يتفق المواطنين على الثقة بتلك المؤسسات حينما يختلفوا على الثقة بالأخرين ليس في الحالة الاردنية فحسب وانما العالمية سواء .
ندرك ما معنى ان يكون للمعلمين نقابة تجمعهم , ترعى مصالحهم وتتبنّى مطالبهم ضمن اطار القانون الذي بموجبه اصلاً وُجِدت نقابة المعلمين , مثلما ندرك ان ابنائنا ودائع غالية في ايدي المعلمين , نبادلهم بذلك الثقة التي تؤهلهم للقيام بواجبهم الاخلاقي خير قيام وتجنيب الطلاب وأولياء الامور اية تبعات سلبية تهدد مسيرة التعليم ومستوى التحصيل الدراسي الذي يمكن ان ينشأ نتيجةً لاختلاف المواقف والرؤى بين الوزارة ونقابة المعلمين في اي وقت وتحت اي ظرف كون المشكلة في هذه الحالة بالذات تتفاقم سلبياً لتشمل الطلاب وأولياء الامور قبل المعلم فيجد الاهالي نفسهم يدفعون ثمن ذلك الخلاف على حساب مصالح ابنائهم وهو الأمر الذي لا يقبله عاقل ولا يقبله ايضاً السواد الاعظم من معلمي المملكة الاردنية المعروفين بروح الوطنية والضمير الحي , فدرء المفاسد اولى من جلب المنافع شرعاً , وأية مفسدة أكبر من تعطيل مسيرة التعليم في دولة وابقاء الاهالي حيارى لا يدرون عن تواجد فلذات اكبادهم داخل صفوف التعليم ام خارج اسوار المدارس ذكوراً واناثاً .
النقابات المهنية لا بد وان تبقى ضمن اطار المهنية , بما يضمن حقوق منتسبيها ومصالحهم وتجنيبها اية توجهات حزبية من الممكن ان تتحكم بقرار وتوجهات اية نقابة ترعى مصالح فئات كبيرة من العمال ومنها نقابة المعلمين , فكم من دول قامت جيوشها ومؤسساتها اصلاً على فكرة الحزبية فانهارت سريعاً عند اول اختبار في الميدان , وكم من نقابة مارست الحزبية والتوجهات الضيقة على حساب مصالح منتسبيها فخدمت بذلك توجهات حزب معين وكان الوطن هو الخاسر الاكبر في هذه المعادلة الآثمة .
الحديث عن تداخل الحزبية بالنقابات في هذا الوقت بالذات يأتي على وقع الطبول التي يقرعها البعض لبث روح الصراع بين نقابة المعلمين ووزارة التربية لتنفيذ اضراب عام يًشُل الحركة التعليمية في ارجاء البلد على طريقة الغالب والمغلوب وممارسة الاستقواء على اجهزة الدولة مع اختيار الوقت المناسب والحساس لتنفيذ ذلك لخلق حالة ارتباك واسعة تصيب الجميع بالارتباك والمعاناة والثمن لا يتعلق بتحصيل المطالب كما يعتقد الكثيرين وانما لايصال رسالة لاجهزة الدولة مفادها ( نحن هنا ) في معادلة يفضِل اصحاب التوجهات الحزبية تنفيذ بنودها على حساب الاهالي وآلاف الطلاب واعلائها على شأن الوطن .
لا اطالب النقابة باغفال مطالب العاملين ضمن الاطر السليمة والمعقولة والاحتكام لروح النقاش والمسؤولية , لكنني كمواطن اطالبها بشكل مؤكد عدم اسقاط مصلحة الوطن ومصلحة آلاف الطلبة من حساباتها حين تنوي ممارسة دورها التصعيدي فالوطن يبقى فوق الجميع مع ادراك حقيقة ان القيام باية اجراءات تصعيدية من قبل النقابة سيضر بمصلحة الطلاب والاهالي اولاً واخيراً وهو ما لا يرضاه كل من علمتنا اياديهم الخير وغرسوا فينا حب الوطن وابجديات التضحية وتقديم مصلحة الوطن على كل توجهات ضيقة .