زاد الاردن الاخباري -
على الأرجح أن "الحظ" أحد أقدم الاختراعات البشرية قاطبة، ذلك أنه ظل، وما يزال، مكونا أصيلا من مركبات النفس عند كثير من الناس، يقترب أو يبتعد حسب المعتقد لدى الشخص نفسه، فمنهم من ربط مصيره بالحظ ربطا محكما في كل خطوة من حياته، ومنهم من يربطه حسب "الحالة" أو الموقف. وآخرون، وهم قلة، لا يرون في الحظ أكثر من مشجب يعلق عليه الفاشلون كل إخفاقاتهم.. فشاعت لديهم مقولات عديدة على غرار"إللي ما إلو حظ .. لا يتعب ولا يشقى"، و" للقرعة مشطين وللعمشا مكحلتين " و" لابق للشوحة مرجوحة ولابو بريص قبقاب" .. أما المقولة الناسخة لكل ما عداها، فهي "الدنيا حظوظ".
من المعتقدين بالحظ، مثلا، العشرينية هبة، التي تعزو إخفاقها في الحصول على وظيفة مناسبة، إلى "حظها العاثر"، معتبرة أن كثيرا من الفتيات لا يمتلكن مثل "خبراتها" لكن الحظ "يلعب دوره في الحياة".
كذلك ترى هبة، أن الحظ جعلها تمكث في البيت عاطلة عن العمل مدة عام، فهي حسب قولها، لم تترك "إعلان وظيفة إلا وتقدمت له"، في حين أن صديقاتها اللواتي لا يمتلكن أي خبرة، توظفن بعد تخرجهن من الجامعة مباشرة.
وعلى غرار هبة، يعتقد الكثيرون أن الحظ يلقي بظلاله على شخص دون آخر، ويعتبرون أن قسمة الحظوظ لم تكن من "نصيبهم"، وأيضا هناك من يعتبر أن الحظ "لم يزره منذ سنوات" مثل الثلاثينية أحلام، التي تعزو تعثرها في كثير من شؤون حياتها إلى الحظ.
الثلاثيني نادر ارتأى أن يستشهد بصديقه وائل، الذي يلقبه الأصدقاء بـ "الحظ النحس"، نظراً لسوء حظه، وما "أكثر لحظات حياته التي تثبت ذلك".
يضيف نادر أن صديقه، مثلا، "كلما ذهب إلى مكان لا بد وأن يحدث في ذلك المكان شيء"، فبات كثير من الأصدقاء يتحاشونه، نظرا لسوء حظه، فـ "حيثما يكون تحدث مشكلة أو ينكسر شيء أو تغلق الأبواب في وجهه".
أما إبراهيم العبد الله، من جانبه، فلا يؤمن بما يسمى بـ"الحظ"، لاعتقاده أن شخصية الإنسان وظروفه المحيطة لا ترتبط إلا به وحده، وليس بـ"الحظ"، الذي "يزعم بعض الأفراد أنه يختار شخصا دون آخر".
الحظ يعد "سلوكا خرافيا"، وفق اختصاصي علم النفس د.عماد الزغول، الذي يؤكد أن كثيرا من الأشخاص يربطون ما يصيبهم من نتائج تصرفاتهم بما يسمى بـ"الحظ".
"لا يوجد شيء اسمه حظ"، فعلم النفس، وفق الزغول، يبين أن الحظ يعزى مفهومه إلى "الصدفة"، وهو ما يندرج في نطاق "الحقيقة غير العلمية"، إذ إن العلم يؤكد بأن "لكل شيء سببا ومسببا".
"والأفراد يعمدون إلى تجسيد الأحداث التي يمرون بها، بحيث تصبح مجموعة أحداث تتوالى، وقد تكون نتائجها سلبية أو إيجابية، وهنا قد يراها أولئك الأفراد (حظا إيجابيا) أو (سيئا)، علما بأن ما يحدث ليس أكثر من مجرد أحداث متوالية"، كما يؤكد الزغول.
خبيرة علم الطاقة ريا خضر، تشاطر الزغول رأيه بأنه "لا يوجد ما يسمى بالحظ"، وترى أن علم الطاقة يؤكد أن هنالك قواعد علمية لمن يؤمن بها قد تحول حياة الأشخاص إلى سعادة.
وتضيف خضر أنه يوجد في علم الطاقة، والمرتبط، بدوره، بعلم الفلك، ما يسمى بـ"الأرقام السعيدة" و"الأحرف التعيسة"، والتي من شأنها أن تؤثر على حياة الإنسان، ولا وجود للحظ فيها.
" الصبغة العلمية " التي يربطها البعض بتفسيراتهم لوجود الحظ تمثل "إشكالية"، وفق أستاذ علم الاجتماع في جامعة اليرموك منير كرادشة، الذي يبين أن العلوم المختلفة تتحدث عن الموضوع "على نحو مجحف" يعمق من تعلق المجتمع نفسه بمثل تلك الخرافات.
الرشاد والعقلانية وما يرتبط بهما من سلوك وجهود للإنسان، تنتج عنهما فرصة جيدة وإيجابية، تعتبر عند البعض "حظاً"، وهو ما يخالف المدارس السيكولوجية، وفق كرادشة، مؤكدا أن علم الاجتماع يعتبر أن الأمل والحلم بتحقيق الأهداف والجهد الإنساني المرتبط بالسلوك الإيجابي، يفتحان مجالاً لعلاقات اجتماعية كبيرة وفرص أفضل بالحياة.
أما خبير علم الفلك عبد الله قردحجي، فيرى أن "الحظ واحة لكنه غير مطلق"، ويفسر ذلك بأن علم الفلك يحسب الحظ من خلال حسابات فلكية عدة، ترتبط بساعة ميلاد الشخص، وبأرقام محددة تبين إذا ما كان "شخصا محظوظا أم لا" .
ويؤكد قردحجي أن كل شيء، من اسم وأرقام حظ، يجري حسابها بطريقة معينة، "اعتمادا على علم الفلك".
وعن تداول الأمثال المدججة بأوهام المجتمع، حول ما يسمى "حظ تعيس أو حظ يفلق الحجر"، فإن خبير التراث نايف النوايسة يوضح أن الإنسان يعود إلى قاع الذاكرة حينما يخفق في مواجهة واقعه، وتحليله بالأدوات العلمية .
ويضرب النوايسة مثلاً تردده النساء اللواتي عانين من ظلم العنوسة، أو حين تتزوج الفتاة رجلا صالحاً، " حظ العفنة بالحفنة "، أي أن المراة غير الجميلة تجد زوجا مناسبا .
يلاحظ أن هذه الأمثال تنتشر في جيوب الفقر والمناطق التي تكثر فيها المشاكل التي تقع في دائرة التعتيم، كما يبين النوايسة، أن من شأن هذه المفاهيم أن تدل على ثقافة المجتمع.
أستاذ الشريعة في الجامعة الأردنية محمود السرطاوي، يؤكد أن الإسلام رتب الأحكام على المسببات والنتائج، فإذا عمل الإنسان خيرا ترتبت عليه المثوبة، على عكس العمل السيئ الذي تكون نتائجه جزائية.
كما يشدد السرطاوي على أن السنن الكونية رتبت على الأسباب والمسببات، ولا تكون غير ذلك إلا في حالات المعجزة، لذا فإن الإسلام لا يبني أحكامه على الحظوظ واليانصيب، لأن من شأن ذلك أن يعود على الإنسان بالضرر.
يرى السرطاوي، أيضا، أن الطريق الحقيقي لكسب الأموال هو ما يتوافق مع أحكام الشريعة، منوهاً بأن ذلك لا يتعارض مع الفأل الحسن، وأن على الإنسان أن يتفاءل بقدوم الخير في كل الأمور الحياتية، بعيدا عن اعتماد الحظ .
بدوره، ينوه كرادشة بأهمية زيادة المعرفة والوعي والعقلانية، إضافة إلى أن رفع مستوى الرصيد الثقافي يعد الحصانة لمثل هذه الظاهرة التي لا ترتبط بمجتمع محدد، مؤكدا أنها تندرج بالبيئات المحيطة ودرجة تحضر تلك المجتمعات، وتفسير الظواهر العلمية.
وهكذا، من الصخرة التي "فلقها الحظ"، إلى الحظ الذي كان "دقيقا فنثروه في يوم ريح"، وانتهاء بـ"الفأل الحسن"، تصطف أنواع ثلاثة من البشر، كل يرى الأمر بميزانه.. أما الإرادة فهي وحدها، من دون منازع، التي بوسعها أن تصنع الحظ إذا لم يكن موجودا.
سوسن مكحل / الغد