زاد الاردن الاخباري -
هذا الفيلم يتناول مصر في كل مظاهرها كأنها أوشكت تماماً على الانفجار، وهو فيلم ""بنتين من مصر"، الذي يُعد أفضل ما قدم حتى الآن بين أفلام الصيف، ويناقش مشكلة العنوسة، وهي ظاهرة تزداد معدلاتها في المجتمع المصري والعربي.
هذه الظاهرة تناولها مخرج الفيلم "محمد أمين" بكل أبعادها، وأسند البطولة إلى نجمتين جميلتين هما؛ المصرية "زينة"، والأردنية "صبا مبارك".. علما بأن اختيار الجمال هنا ليس عشوائياً؛ إذ إن القضية ينبغي أن تعلو عن مجرد معاناة فتاة مع القبح إلى رؤية عامة لمأزق العنوسة في المجتمع ككل.
كل من الفتاتين تخطت الثلاثين، وهما أبناء عمومة، وناجحتان مهنياً.. "زينة" طالبة مثالية، وصارت موظفة مثالية.. و"صبا" تؤدي دور طبيبة تسعى للحصول على الماجستير.
ولأن الزمن يجري من بين أيديهما فقد حرص المخرج على أن يضع تفاصيل لخوفهما من ضياع الأيام؛ إذ نرى "زينة" كلما توفر لها مال تشتري قميص نوم، وتكتب عليه تاريخ العام منذ أن تخطت العشرين، وتحلم بأن ترتدي هذا القميص.
وهكذا تتراكم القمصان داخل الدولاب كأنها شاهد إثبات على ضياع السنوات.. حلم الأمومة أيضاً يؤرقها.. إحساسها بأنها ربما ليست جذابة بما يكفي، ولهذا تذهب إلى طبيبة تسألها عن إمكان تكبير ثديها الذي تحرص على أن تضع داخله مادة صناعية لكي يبدو أكبر حجماً، وتسأل الطبيبة عن إمكان تكبير الثدي فتخبرها بأن حجمه متوافق بالنسبة لعمرها مثلما يتوافق الأمر مع ظهور بعض الشعيرات البيضاء في رأسها!
وتبدو الكلمة قاسية جداً لأنها تضعها مباشرة في صراع مع الزمن، الذي أعلن عن بصمته على جسدها، وشعر رأسها.
"زينة" تبدو أكثر إيجابية في محاولاتها للحصول على عريس، لهذا تذهب إلى مكتب للتزويج، وتقدم مواصفاتها في العريس المطلوب، ودائماً ما تقدم تنازلاً كلما مرت الأيام لتتوافق مع حالتها فهي لا تخدع نفسها، وتحث ابنة عمها على أن تحذو نفس الاتجاه، وتدفعها للذهاب إلى أماكن اعتصام واحتجاج الأطباء، فتنضم صبا للمعارضة فتكتشف زميلها القديم "رامي وحيد" أحد زعماء المعارضة.
وتبدأ بوادر قصة حب لكنها تكتشف أنه عميل للأجهزة الأمنية، فتتركه قبل أن تبوح إليه بمشاعرها، ويأتي العريس الثاني الذي أدى دوره "طارق لطفي"، وتوافق "صبا" على أن تعيش معه في تلك المنطقة النائية التي استزرعها بعد أن حصل على قرض من الدولة لكنه يجد نفسه أمام حكم محكمة إما الدفع أو الحبس، فلا يجد أمامه سوى الهرب إلى خارج حدود الوطن.
على الجانب الآخر تسعى "زينة" -أكثر من مرة- للحصول على عريس، وعندما يأتي إليها عن طريق مكتب الزواج، ويؤدي دوره الفنان الأردني "إياد نصار" نكتشف أنه شخصية مريضة نفسياً؛ إذ لديه شك في كل النساء، ويطلب من "زينة" أن تذهب إلى طبيبة نساء حتى يتأكد من أنها لا تزال عذراء، وبعد أن توافق مرغمة على هذا الشرط القاسي -الذي يحمل قدراً لا ينكر من الازدراء، ويكتشف بالفعل أنها عذراء- يعترف لها في النهاية بأنه لا يستطيع الزواج، وبأنه ليست لديه ثقة في أي امرأة!
ينتهي الأمر بأن تذهب الفتاتان إلى مطار القاهرة لأن هناك عريسا محتملا في طريقه إلى قطر، وليس لديه إلا بضع ساعات يقضيها بالمطار ليختار واحدة، الخاطبة التي تؤدي دورها "سميرة عبد العزيز" تصطحب معها أيضاً اثنتين أخريتين.. بينما كل من "زينة" و"صبا مبارك" تنتظران، ونرى لقطة ثابتة على وجهيهما في نهاية الفيلم، وصوت أزيز طائرة في الجو كأنه حلم قادم للسفر خارج حدود الوطن!
السيناريو لم ينسّ أن يضع خطا سياسيا يوجه اتهامات للدولة مثل شخصية "أحمد توفيق" الرافض لكل ما يجري في البلد، وبعد ذلك يتم القبض عليه لأنه كتب مقالا ضد سياسة الدولة.
وفي الأداء كانت المباراة رائعة بين كل من "زينة" و"صبا مبارك".. وكانت المساحة الإبداعية أكبر أمام "زينة" للانتقال في التعبير بإبداع وتألق خاص؛ إذ منحت الدور في مشاهد خفة ظل، وفي مشاهد أخرى شجنا نبيلا.
"زينة" قدمت ربما عشرة أفلام قبل هذا الفيلم إلا أنني لأول مرة أراها أمامي ممثلة بكل هذا النضوج والتألق.. أما "صبا مبارك" فهي أول تجربة لها في السينما المصرية، وقد أجادت اللهجة المصرية وأيضاً التعبير، إلا أنني أرى أن ملامحها تتجاوز المرحلة العمرية التي كان ينبغي أن تؤديها، وهي امرأة لم تغادر الثلاثين سوى بعام.
"إياد نصار" أحد الوجوه التي تقترب كثيراً من المشاعر.. إلا أن الزمن سوف يلعب لصالحه لأنه يقدم أدواراً لم تصل إلى درجة البطولة في مساحتها على الشاشة إلا أنها مؤثرة، وهو قادر على أن يحيلها بأدائه إلى مصاف البطولة.
وبعد غياب عاد للسينما "طارق لطفي، واستوقفني أداء "رامي وحيد"، و"جيهان سلامة"، و"سلوى محمد علي"، و"سميرة عبد العزيز"، وأيضاً موسيقى الفلسطيني "رعد خلف".
المخرج "محمد أمين" شاهدناه قبل ذلك في فيلمي "فيلم ثقافي" و"ليلة سقوط بغداد"، وكانت مساحة السخرية فيهما أعلى برغم جدية القضايا التي يتناولها الفيلم الأول، وهي الكبت الجنسي، والثاني الذي تناول الأمن القومي المصري، لكن في هذه المرة في "بنتين من مصر" تضاءلت روح السخرية عند "محمد أمين" ولم يضف الكثير من التفاصيل السينمائية للحالة الفكرية لفيلمه؛ إذ كان صوت الفكرة والسيناريو أعلى من نبض الشريط السينمائي.
mbc