كنتُ قد أشرت في الحلقة الاولى من مقالي السابق والذي يحمل نفس العنوان الى ضرورة ان تبقى النقابات المهنية ضمن اطار المهنية وتجنيبها التجاذبات الحزبية التي تعود بالضرر على حقوق منتسبيها اولاً ومصلحة الوطن , كي لا تصبح اية نقابة ترعى شؤون العمال مطية لحزب او طائفة من الممكن استخدامها كفزاعة في اي خلاف وسجال يقع بين العمال والوزارة المعنية , ومع اختلاف الرأي حول ما طرحته سابقاً يبقى تغليب مصلحة الوطن هو الفيصل الاول والاخير الذي لا بد ان يؤخذ بعين الاعتبار لمن يمارس العمل النقابي وكأحدى الابجديات الوطنية المُسلّم بها لجميع المنتسبين وخذ مثالاً على ذلك نقابة المعلمين .
ادخال المشهد الوطني الدخلي بحالة من الارتباك الواسع عبر تعطيل مسيرة التعليم واللعب على وتر القلق المزمن للأهالي في اول ايام الدراسة لا يمكن تصنيفه ضمن المعقول ولا يشمله ايضاً الاعتراف بحق الاختلاف بالرأي , المشهد يبدو معيباً حين يستخدم الطلبة كدروع واقية ورهائن كلما نشب خلاف بين وزارة التربية والتعليم ونقابة المعلمين مثلما بدا المشهد أكثر ايلاماً في اضراب نقابة الممرضين واستغلال حاجة المرضى للعناية والرعاية , قد لا ابالغ ان قلت ان الامر جرى الاعداد له بشكل مدروس ومطولاً وتم استخدام بعض الميليشيات الاعلامية لتنفيذ بنوده حرفياً لايصال مجموعة من الرسائل لاطراف معينة خارجياً وداخلياً ومنها رسالة ( نحن هنا) وهي الغاية التي تبرر الوسيلة , اذاً فليذهب الطلاب للجحيم ولينوء الاهالي بثقل المسؤولية الملقاة عليهم ولتغلق المدارس كأحدى نتائج الاستقواء على الوطن .
يبقى تعزيز المهنية أحدى النقاط المهمة التي غَفَل عن تأسيسها المشرعين في اغلب قوانين النقابات المهنية ومنها نقابة المعلمين , فالتعليم والصحة من المرافق العامة للدولة لا مجال لادخالها نفق الحزبية والولاءات الفرعية الضيقة شأنها في ذلك شأن مؤسسة الجيش في اية دولة مدنية وخذ مثالاً على ذلك تلك الجيوش التي قامت على فكرة الحزبية فانهارت سريعاً وتركت اوطاناً مستباحة برسم القلق والخوف والارهاب , فالعمل الحزبي وممارسة ادواته الواسعة يكون عبر التنافس الايديولوجي مع مجموعة من الاحزاب للوصول الى قبة البرلمان وليس عبر قرع طبول المواجهة داخلياً وتوظيف الاهالي والطلاب لتنفيذ مآربه , فحتى الدول المتمدينة التي يتغنى بها بعض الاحزاب ويتوافدوا اليها في رحلة ( الربيع ) والصيف تحوي احزاباً برامجية مؤثرة بواقعيتها وتتنافس فيما بينها ضمن اطار مصلحة الوطن وان اختلفت الرؤى والاتجاهات فلماذا يستنبط البعض الممارسات السلبية فقط من التجارب الحزبية ويسعى لتوظيفها عبر الاضراب الواسع والفوز بغنيمة ( وهي لمن غلب ) المطلوب منهم تحصيلها على حساب اي شيء ؟!! .
اذا نظرنا لحقيقة الجانب الانساني من مسألة اضراب نقابة المعلمين نجد دعوات واسعة وتنافس محموم لفرض حالة الارتباك في ارجاء المملكة ولا اكاد اعتقد بان المعلمين اصحاب الرسالة الالهية والوطنية ممن تعلمنا على اياديهم الخير وحب البلاد وصدق المبدأ لا اعتقد بانهم يقبلون بذلك في قرارة انفسهم , مثلما لا اعتقد بان روح القانون وغايته المناطة باصدار القوانين الراعية للعمل النقابي من الممكن ان تبارك حالة الشلل الواسعة التي يسعى لها البعض فالقانون وليد الدولة ومصلحة الوطن تسمو لَتُعتَبر روح القانون الذي بموجبه تم تشريع وصياغة بنوده , من هنا اطالب كمواطن للاحتكام الى لغة المنطق والضمير الوطني والمسؤولية المجتمعية لاحتواء المسألة في هذا الوقت الحساس وصياغة ( كلمة سواء ) بين وزارة التربية ونقابة المعلمين تتعلق بمطالب النقابة التي جرى الاختلاف عليها .
ان كان البعض يسعى لتنفيذ الاضراب عبر عقلية الحرب على الاعداء وعقدة الفوز والهزيمة فنحن لسنا بصدد حالة من التطرف الفكري وكلنا في مركب الوطن ننجو اذا نجى ونهلك لا قدر الله ان خرقها البعض ليغرق أهلها حتى يبوء بصدارة المشهد وقد خاب من استعلى .