منذ بداية العام الحالي تحديداً بعدما تفاقمت أزمة عجز الموازنة وما آل إليه الوضع الاقتصادي العام في الدولة ، و أنا جاد في البحث عن العلاقة بين الإجراءات والحلول التي اتخذتها الحكومة لمواجهة الأزمة ، وبين النتائج التي تحققت أو ما سوف تنتهي إليه نهاية العام.
تخفيض أو حبس للنفقات الجارية وتقليل النفقات الرأسمالية كان الخيار الأكثر فاعلية وأقل تكلفة في بداية العام وتحقق ما تحقق من توفير لبضع عشرات من الملايين ، ومنذ الإعلان عن هذا التوفير منذ شهر 2 لم يخرج علينا وزير المالية أو الفريق الاقتصادي الحكومي بأية تصريحات جديدة حول المبالغ الجديدة التي تم توفيرها بعد ذلك التاريخ .
القطاع الحكومي المحلي أصبح عاجز وأصابه نوع من الهرم لأنه لم يعد قادر على تسيير دفة الاقتصاد الوطني والتحكم فيه كما كان في السابق ، ويبدو أن الانسحاب التدريجي الذي يمارسه القطاع الحكومي من النشاط الاقتصادي مشاهد بشكل صريح ، فالحكومة عادت لتمارس الدور التقليدي المناط بها وهو مراقبة النشاط الاقتصادي عن طريق القوانين والتعليمات التي تحمي السوق من الجشع والاستغلال ، وتقديم خدمات الأمن العام ، ولكن لابد أن يرافق ذلك توسع في دور القطاع الخاص لتعويض الانكماش السابق ، وحتى يحافظ الاقتصاد على وتيرة النمو رغم تباطؤه في فترات كثيرة من السنة ، ولكن القطاع الخاص المحلي أيضاً مازال غير واعي وغير مدرك لدوره الذي يجب أن يقوم به في الاقتصاد وهو مازال ينظر إلى المواطن على أساس أنه \" البقرة الحلوب\" فقط .
قامت الحكومة بفرض المزيد من الضرائب النوعية على سلع البن والجوالات وهي سلع الرفاهية من وجهة نظر الحكومة ، كما فرضت على المشروبات والتبغ ولكن لم يتضح لغاية الآن الأثر الفعلي لهذا الإجراء حتى يتم تقييم الأثر المالي ومدى نجاعة سياسة الضريبة الجديدة ، كما لم يتم توضيح أثر فرض الضريبة الخاصة على البنزين وكيفية قياس المرونات وتحليل الحساسية القطاعي لهذا الإجراء ، حتى يتم تعديل هذه الضريبة في المستقبل وفقاً لمواطن الضعف والقوة في الأداء .
السندات والصكوك الإسلامية وحتى الأوراق المالية السيادة تعمق العجز في الموازنة وتزيد من نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي ، والفكرة ليست في مصدر هذه السندات والأموال التي تغطيها ولكن الفكرة في أثرها على حجم المديونية وبالتالي فإن زيادة الاقتراض سيعمق الخلل في حسابات الدخل القومي أكثر وخاصة في عجز الموازنة الذي يعني الحاجة إلى إجراءات تصحيحية في العام القادم تشابه ما تم اللجوء إليه في هذا العام ، وهنا ندخل في حلقة مفرغة من الزيادة في النسب الضريبية لمواجهة التطور في عجز الموازنة كل سنة .
القطاع الخاص الأردني كما قلنا جبان جداً خاصة المؤسسات المالية والبنوك وهو متخم بالأموال وهي تفوق حاجة الاقتصاد والمستهلك المحلي ، وبالتالي فإن لجوء الحكومة إلى الاقتراض الخارجي غير مقنع في ظل إحجام البنوك عن التوسع في منح القروض والتسهيلات بشكل كبير يساعد على الخروج من حالة الركود ، وبالتالي لابد للحكومة من استخدام أدوات السياسة النقدية والامتناع عن تقديم التسهيلات والحوافز الضريبية للقطاع الخاص وخاصة البنوك مالم ترتبط بإنجاز فعلي حقيقي لتدعيم النشاط الاقتصادي المحلي بحيث تأخذ أقل مما تعطي وتجسد مقولة خدمة الاقتصاد الوطني بشكل فعلي .
سأكون متشائماً وأقول أن جميع ما تم القيام به إجراءات تقليدية فعلية لا يعول عليها كثيراً في تجاوز الأزمة وتحقيق معدلات مرتفعة من الفعالية الاقتصادية .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
جامعة الخرج
Nsour_2005@yahoo.com