الاهداء : الى الدكتور عبد الوهاب طراونه عندما يحاول باجتهاد خلع سن متعفن من حظرة الوطن .
ما أن دخل الى صالة الأستقبال حتى بدأ الدم يغلي في عروقي ، واستحال جسدي إلى تعويذة كتبها عراف لا يعرف القراءة .أردت أن أنقض عليه وأمزقه بأسناني . ليس غريبا أن يحظى بكل تلك العناية من قبل عمّال الفندق ، فكل شيء كان يشي بـه ، قبعة رعاة البقر ، قميصة الذي حيك بعلم بلاده، حذائة ذو العلامة التجاريـة المشهورة (نايك) ، دون اي عناء عرفت أنه امريكي، ما أن رأيته حتى بدأ امتعاضي الشديد ، شيئا ما في داخلي بدأ يتغير تدريجيا ، لحظات السعادة تنسحب من غير حول مني ولا قوة ، مع أنني جئت الى هنا لقضاء اجازة استجمام ودون أن أشغل نفسي بشيء.
هكذا وبكل وقاحة دخل الى الفندق ، بعد ان ارتدى ابتسامته البريئة ليخفي خلفها صور الدمار والقتل والإرهاب التي ارتكبتها يداه . كالعادة يحظى الامريكي بعناية خاصة من قبل عمال الفندق، مع علمهم أنه سيأخذ اكثر بكثير مما سيدفعه فهذه هي ثقافة العم سام .
بكل اذلال يستجديه عامل الاستقبال للجلوس لحين اعداد الغرفة، يجول بناظرية باحثا عن مقعد ، لا أدري أن كان سوء حظي أم قدره الأحمق الذي دفعه ليجلس بجانبي على المقعد اليتيم الشاغر ، أرسل ابتسامة صفراء ما أن وصلتني حتى ارتديت كشرتي الأردنية وأستعدت ملامحي القاسية ثم أستحضرت عيني جدي التي كان يجحظني بها ، تلك النظرة التي أعرفها جيدا ، فعندما كان يوجهه جدي لي ، أشعر بأن جسدي يتكسر كلوح زجاج ، أستعيد تلك النظرة وأقذفه بها ، لكنه يتجاهلني بعد أن يصفعني بابتسامه جديده ثم يفترش المقعد .
الضجيج في داخلي يعلو . اف أف (بتمقرص ، بنافخ ) أشعل سيجارتي الرخيصة لعلي أحضى ببعض من الهدوء.
الضجيج في داخلي يتعاظم . أنفخ الدخان في الفضاء ، يرمقني بنظرة دون ابتسامه ثم يدور برأسه ، عرفت أنه غاضب ، أشعر بارتياح شديد . لعله يتسائل كيف لهذا الغبي أن يجرئ على اغضابي وهو الذي أغضب العالم كله ، اسحب نفسا عميقا وانفخه في وجه واصعد سلم الارتياح ، يبدأ بالسعال وانا انزلق في المقعد بكل وقاحه واضع قدما على قدم ، بعد أن الحقت به ضررا ، أسحب بقوة وأقذف الدخان في وجهه ، يزداد سعاله وتزداد سعادتي ، تنتهي السيجارة ، وادوسها في المنفظه يرمقني بنظرة شماته ، في تلك اللحظة تمنيت لو أنني أملك سلاحا أكثر فتكا ، ليتني جدي في لحظة حقد أدخن الهيشة ، ربما قضيت عليه من أول نفس. أشعل سيجارة أخرى ، واتمادى في نفث الدخان في وجهه ، يزداد غضبه دون جدوى ، يتواطئ معه عامل الفندق باستدعائه وتسليمه مفتاح الغرفه التي سيقيم فيها ، اشعر بخيبة كبيرة فقد كانت تلك فرصتي للقضاء عليه .
هدنه ثم تستمر المعركة ... اتسكع في ارجاء الفندق ، انه هناك بالقرب من بركة السباحة ، القى بنفسة بين الاجساد العارية التي تركت نفسها باسترخاء لتشويها شمس سيناء الحارقة ، اقتربت منه أكثر ورحت اتحين الفرصة للانقضاض عليه ، ما أن لمحني حتى سارع بالقفز الى حوض السباحة هاربا مني ومعتقدا ان الماء سيحميه ، لعلمه أنني لا اجيد السباحه . هذه فرصتي ، أقسم بأنني لن أضيعها ،استجمع قواي وحقدي ، واستعين بذاكرتي لاستحضار كل جرائمه ، جرح بغداد الذي لم يلئم بعد ، قانا ، غزة ، القدس ، قافلة الحرية ..... اصعد بذلك سلم التأهب الى الدرجة القصوى حتى أصبحت كالثور الاسباني في حلبة مصارعة الثيران .
ما احتاجه الان قليل من الجرئة ، الجأ الى البار القريب واحتسي الكأس الأول من البيره، الكأس الثاني ، فأنتشي بالاول ، ثم الثالث والرابع ، اشعر بالدخان يخرج من انفي واذني أركل بقدمي الأرض وأدور حول حوض السباحه ، وأحرص على استغلال عنصر المفاجئة ، أصبح الامريكي امامي حشرة حقيرة سأدوسها بقدمي ، أقفز بالماء واقترب منه كثيرا ، ثم اتبول الكثير من البيره ،واحرص على أن يصيبه الرذاذ ، اشعر بارتياح كبير ثم اخرج واراقبه عن كثب ، بمهارة فائقة يغطس تحت الماء ثم يظهر من جديد وهو يقذف من فمه الماء الذي دخل الى جوفه . وانا ابتسم شماتة .
عدت الى البار لاحتسي نخب النصر على انقاض الامريكي ، وهو ما زال يمارس هوايته في السباحه وقذف الماء من فمه .