أبدع الرئيس الفلسطيني في إصراره على إقتحام \" عرين الأسد \" اليهودي الأميركي وإلحاحه على مقابلة قادة الطائفة اليهودية في الولايات المتحدة وإجراء حوار مفتوح معهم ، رغم النصائح الضاغطة من طرف البيت الأبيض والخارجية الأميركية لعدم المغامرة في الإقدام على هذا اللقاء خشية التصادم ، والخروج بنتائج لا تحمد عقباها ، لا تحتاجها إدارة الرئيس أوباما على ما فيها من توتر وإحتقان ، نتيجة خطبته في جامعة القاهرة في حزيران 2009 ، ومطالبته الملحة في وقف الإستيطان ، على أرض فلسطين المحتلة ، وتحديد خارطة إسرائيل ، وبالتالي تحديد خارطة فلسطين المنوي الإنسحاب عنها وتركها لإهلها لإقامة دولتهم عليها ، وإصراره على حل الدولتين وغيرها من السياسات والإجراءات التي فتحت عليه أبواب النقد ، وأرغمته على تقديم الإعتذار العلني في سوء تقديره لحجم الفجوة القائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين والتي تحول دون التوصل إلى حلول واقعية لعناوين الصراع ، وأهمها قضية القدس واللاجئين والحدود وغيرها ، ولا زالت المفاوضات غير المباشرة تراوح مكانها ، لإن حكومة نتنياهو غير قادرة على إتخاذ موقف نحو القضيتين المتفق عليهما لتكونا أرضية الإشتباك التفاوضي ، ومدخلاً لمفاوضات مباشرة وهما قضيتا الحدود والأمن .
مع ذلك أصر الرئيس الفلسطيني على دخول العنوان اليهودي الأصعب المغلق في دعمه وإسناده لإسرائيل سواء في الحق أو الباطل ، وهو عنوان كان مقتصراً على إستقبال أصدقاء إسرائيل ، ولم يكن من السهل النفاذ إليه ، ولم يسبق لقيادات فلسطينية أن سعت نحو الحوار مع هذا اللوبي الضاغط لمصلحة إسرائيل في المحافل ومؤسسات صنع القرار الأميركي .
لا النصائح الأميركية ، أجدت مع إصرار أبو مازن ، ولا التحريض اليميني الإسرائيلي المعلن لمقاطعة جلسة الحوار معه أثمرت في دفع الرجل للتراجع عن عزمه ورغبته في هذا اللقاء مع اليهود .
وقال لطبقة مرافقيه الأوائل ياسر عبد ربه وصائب عريقات وأكرم هنية \" إذا لم أكن جديراً بالدفاع عن قضية شعبي وعدالة مطالبه ، فلست جديراً أن أكون رئيساً ولا ناطقاً بإسمه\"
لقاء أبو مازن مع الجالية اليهودية ، وصفته الدوائر الأميركية أنه كان مدهشاً ، بل وداعبته وزيرة الخارجية الذي إستقبلته بعد اللقاء مع الجالية اليهودية بقولها \" لقد كنت ساحراً وبددت القلق الذي كان عندنا وأصبحت النتيجة مفيدة لنا ولكم ، وهذا سيسهل مهمتنا في مواصلة جهودنا وخلق مناخ أفضل للتفاهم \" .
أبو مازن ليس جديداً عليه هذا الموضوع ، والحوار مع اليهود وكسب إنحيازات من داخل صفوفهم لعدالة القضية الفلسطينية ، هي القضية الأولى التي كانت تشغله طوال عشرات السنين الماضية ، وهو صاحب رؤية في هذا المجال وكان وراء قرار المجلس الوطني الفلسطيني الثاني عشر عام 1974 في ضرورة الحوار مع قوى يهودية داعمة للمطالب الفلسطينية ، وقد طور هذا المفهوم إلى ضرورة إختراق المجتمع الإسرائيلي نفسه من أجل كسب إنحيازات إسرائيلية لعدالة الحقوق الفلسطينية .
الحوار لم يكن سهلاً ، خاصة وأن دان أبراهام الذي أدار الحوار سمح لأن يكون الحوار مغلقاً وغير معلن حتى يتحدث الرئيس على سجيته ويقول كلاماً غير منقول للصحف والإعلام ، ولكن أبو مازن فاجأهم بقوله \" لا يوجد ما أخفيه على شعبي وعلى وسائل الإعلام ، ما أقوله لكم سبق وأن قلته في المخيمات او سوف أنقله لأضعه أمام المؤسسات الفلسطينية ، فلدينا سياسة واحدة تقوم على التعايش بين الشعبين وبين دولتين والقدس عاصمة للطرفين \" والباقي تفاصيل ، الأمن والمياه والإقتصاد والتعاون تحكمها معايير حسن الجوار والقوانين الدولية ، تعالوا نتفق على الأسس وبعدها نتفاوض على التفاصيل ، لقد قطعنا أكثر من ثلثي الشوط في المفاوضات مع الإسرائيليين في كامب ديفيد وطابا وأنابوليس ، واليوم نحتاج لقرارات ، وليس إعادة التفاوض من جديد وهل علينا بدء التفاوض مع كل حكومة إسرائيلية من الصفر ؟؟ .
حصيلة الحوار كان الترحاب والتقدير وجاءت قياداتهم لتقول له بعد يومين من التقييم الداخلي عندهم :
أولاً : لقد ثبت لنا وجود شريك فلسطيني على طاولة المفاوضات مع الإسرائيليين .
وثانياً: سنشكل وفداً للقاء أوباما ونتنياهو للدفع بإتجاه تعزيز الثقة والحث على مواصلة طريق التفاوض والإسهام في إزالة العراقيل .
ليست النتائج بالسهولة التي يمكن أن يراها أو يفهما القارئ من هذه المعطيات ، ولكنها بالتأكيد نتائج مثمرة على الطريق ، ستعزز من فرص تفهم المعاناة الفلسطينية والرغبة الأكيدة في التعايش والإستقلال عبر التوصل إلى حلول واقعية لعناوين وقضايا الصراع ، تحترم مصالح الطرفين لا أن تلبي مصالح طرف على حساب أخر .
السؤال في ضوء هذه الإستخلاصات هل تستطيع الجالية اليهودية الأميركية ، المؤثرة على صناعة القرار في واشنطن وتل أبيب ، وضع الخيارات امام نتنياهو ليعرف أن ثمة إستحقاقات يجب تلبيتها ، وأن أمامه ثلاث إحتمالات :
1- تغيير الإئتلاف الحكومي ليكون أكثر إستجابة لمتطلبات التسوية وإستحقاقات التعايش والأمن والسلام في المنطقة .
2- أو التوصل إلى إتفاق وتفاهم مع أركان حكومته السبعة لقبول حل الدولتين على أساس حدود عام 1967 ، تتفق مع رؤية أصدقاء إسرائيل الأميركيين والأوروبيين .
3- أو الذهاب إلى إنتخابات مبكرة .
خيارات متعددة مشروطة بموافقة نتنياهو المسبقة بما هو مطروح ، فهل يملك شجاعة الإستجابة لها ، وهل تستطيع الجالية اليهودية الأميركية التأثير عليه كي يقبل ذلك ؟
في كل الأحوال لقد حقق الرئيس الفلسطيني إختراقاً على الطريق ، ولكنه طريق طويل ، يحتاج أول ما يحتاج إلى إختراق المجتمع الإسرائيلي فهو صاحب القرار في ولادة القيادة الإسرائيلية من خلال صناديق الإقتراع .
خطوة أبو مازن مهمة ولكنها بالتأكيد ليست كافية .
h.faraneh@yahoo.com
30/6/2010