اليد التي تحمل السلاح تحمل معها القلم والترياق , اعتقد بان هذا التعريف البسيط لمؤسسة الجيش العربي تنفرد به الاردن عن باقي دول العالم رغم شُّح المصادر والتحديات العديدة , فلا نكاد نجد بيتاً لدينا الا ولمؤسسة الجيش العربي بصمة انسانية فيه وحكايا عفوية دافئة تنطلق من مخزون الذاكرة الشعبي لتبارك جهود الجيش وحضوره الجميل في كل بيت اردني .
(مجالس العسكر ) لها في الوجدان الوطني قيمة تاريخية فريدة تشرح لنا ما معنى الجيش حين يكون وطنياً بامتياز وكيف تابع العسكر مسيرهم المحمود باخلاق الفاتحين جيلاً بعد جيل فلم يصلوا لهذا القرب النفسي للمواطن من فراغ ولم يدخل الجيش الاردني في طليعة الجيوش العالمية المصنفة بالكفاءة والجاهزية من باب الحظ , فكم من دول عظمى بامكانات هائلة سبقناها في ذلك , وكم من شعوب بالارض ما زالت الجيوش لديها تُشّكل مصدر رعب و( فوبيا تاريخية ) في حين كانت مؤسسة الجيش الاردني الأقرب لنبض المواطن والارملة والمسكين وعابري السبيل .
هُم ابناء تراب هذا الوطن الذين خرجوا من بيننا ( ولم يخرجوا علينا ) , كان الوطن بحاجتهم في ساعة العُسرة فكانوا رأس حربة تضرب بالحق وتثخن العدو جراحاً , وفي ساعة اليسرى كانوا لنا سنداً آمننا من خوف ومعلماً وطبيباً , واستكمالاً لهذا الدور الانساني الرائد كانت فكرة انشاء مدارس الثقافة العسكرية المنتشرة في مناطق المملكة وجيوب الفقر .
سمعة الجيش والثقة الكبيرة للاردنيين بقدرات العسكر جعلت الاهالي يتنافسون لتسجيل ابنائهم بتلك المدارس المعروفة بنوعية التدريس ومزايا ( الظبط والربط ) العسكري والثقافة الوطنية المميزة ويفضلونها على كثير من مدارس خاصة ( تهتم بالتعليم فقط وتغفل بذات الوقت شخصية الطالب وصقل رجولته وهويته الوطنية ) , مدارس غير ربحية ولا تدار بعقلية السوق والربح والخسارة تقدم لنا انموذجاً مُشّرفاً للعمل الانساني لمساعدة الفقراء وذوي الدخل المحدود كأحدى رسائل الجيش الموجهة للمشهد الداخلي الاردني .
مع ازدياد عدد سكان المملكة تبدو الحاجة مُلِحة لزيادة عدد تلك المدارس العسكرية وتعميم تجربتها في كل محافظات المملكة للذكور ( والأناث ايضاً ) كونها نجحت في تخريخ الطلاب الاوائل عبر تاريخها الطويل ومع بروز ظاهرة العنف الجامعي تتعاظم الحاجة أكثر لتجربة المدارس العسكرية حين ساهمت بنجاح في تأهيل الطالب نفسياً لمرحلة الجامعة لاهتمامها الدائم بشخصية الطالب وهويته , فالبناء على عامل الثقة الموجود لدى المواطن الاردني في مؤسسة الجيش مسألة مهمة لذوي القرار في مديرية الثقافة العسكرية لاطلاق كوكبة جديدة من تلك المدارس للذكور والاناث في محافظات المملكة لتلبية حاجة المواطنين ولو كانت باقساط معقولة فهي مؤهلة بجميع عناصر التنافسية بين المدارس الحكومية والخاصة وتنفرد لوحدها بالريادة في اساليب التربية النفسية والوطنية لشخصية الطالب عن باقي المدارس , جميع ما ذكرنا من مزايا لم يتحقق لمدارس الثقافة العسكرية من باب الصدفة بل بالجهود الخيرة والحثيثة للعاملين في قطاع الثقافة العسكرية اصحاب الايادي البيضاء ممن يعملون بصمت وينكرون الذات وهو ما يعطينا تفسير بسيط لاقبال الناس عليها حسب المبدأ الرباني ( ان خير من استأجرت القوي الأمين ) .
البندقية التي لا ثقافة خلفها تقتل وتدمر , لكن الزنود السُمُر حين تحمل السلاح والقلم ومبضع الجراح نعلم مدى ثقافتها وعقيدتها الراسخة في حب الخير ونفع البلاد والعباد , نستطيع القول بان المواطن الاردني يعيش بين قلق الربحية الباهضة التي تسيطر على المدارس الخاصة مثلما يعيش بين قلق سيطرة التوجهات الحزبية والولاءات الفرعية على بعض مجالس النقابات التي تُعنى بالتعليم وما يؤدي ذلك لدعوات الاضراب وشل حركة التعليم في مدارس المملكة كالتي نشاهدها كاحدى نتائج خروج النقابات عن مهنيتها ومقارفتها للتوجهات الحزبية على حساب مصلحة الوطن وهذا بالتأكيد لا نشاهده في مدارس الثقافة العسكرية ذات التوجه الوطني الصادق المستقلة عن اية مواقف واستقواءات على مصلحة الوطن .
البقاء دوماً لما ينفع الناس , واما الزبد فيذهب جفاءاً .