من الملاحظ ان الموازنة العامة ليست معقدة, بمعنى أن إيراداتها معروفة المصادر كما أن نفقاتها كذلك معروفة الاستخدامات, لكن المشكلة الحقيقية تكمن في اقتناع الوزراء بأهمية اولويات التنمية. الوزراء يتنافسون فيما بينهم على ادراج مشاريعهم في الموازنة وبغض النظر عن اهميتها فإنهم يعتبرون مشاريع وزاراتهم محور التنمية الاقتصادية وبالتالي لا يجوز المساس بها من حيث عدم توفير المخصصات المالية لها, والحقيقة ان هذا السلوك ما كان ليتم لو كان هناك برنامج اقتصادي يحدد اولويات التنمية للاقتصاد الاردني. ومن هنا ونتيجة الخلل في ادارة العملية الاقتصادية التي استمرت عقودا, تكمن الحيرة عند صانعي الموازنة العامة, فالخيارات محدودة جدا ويصعب على متخذ القرار أن يزيد من الإيرادات بسهولة أو يقلص النفقات, ورغم ذلك فأن أي تغيير في الموازنة من ناحية رفع الإيرادات عن طريق الضرائب مثلا, أو رفع الرسوم وتقليص الدعم المقدم لفئات معينة يؤثر على الاطراف المتعددة في عملية صنع الموازنة. فالحكومة ترغب في رفع الإيرادات وتقليص النفقات والوصول إلى موازنة متوازنة والحد من الدين العام, والمواطن: يرغب في مزيد من الدعم والخدمات الطبية والتعليمية والثقافية ودعم السلع الأساسية ورفع الأجور والرواتب(مما يرفع عجز الموازنة العامة), والبرلمان: لا يوافق على الحد من برامج الأمن الاجتماعي ويعارض سياسات الخصخصة والحد من التوظيف وتخفيض الدعم للسلع الأساسية, مؤسسات المجتمع المدني والنقابات: تعارض رفع الدعم عن السلع والخدمات أو الحد من الأجور وتعارض الاقتراض الخارجي بفوائد عالية تتآكل مع ثروة الأجيال الأردنية القادمة, والتجار والمصدرون والمستوردون: يعارضون فرض ضرائب جديدة أو زيادة معدلات القائمة حالياً, وكذلك لا يرغبون في زيادة ضرائب الثروة, الدخل, الأرباح, والمستثمرون: يرغبون ببيئة استثمارية جاذبة تتمثل في قوانين واضحة لا تتغير بسرعة, نظام ضريبي عادل وشفاف يشجع الاستثمار, قوانين عمالة مرنة ونظام مصرفي فعال. اذا ارادت الحكومة بناء موازنة فاعلة من حيث تحقيق النمو المستهدف وتحفيز الاقتصاد الوطني فان ذلك لا يكون بمنأى عن خطة اقتصادية واجتماعية وطنية تحدد للوزراء والمسؤولين الاطار العام الذي بامكانهم التحرك ضمنه, وحينها يكون الاجتهاد لتحقيق الاهداف المستهدفة ولا يكون الخلاف على الاهداف بذاتها.