عند انتهاء الحرب العالمية الثانية - بكل ماحملته من آثارمدمره وخراب للإنسان والمكان والويلات التي جرتها هذه الحرب للدول التي اشتركت بها -كان التصور المنطقي لهذه الدول الخارجة من الحرب هوالتوجه الى لملمة اوصالها وتضميد جراحها ,وعلى المدى البعيد كان ينتظر ظهور نتائج الحرب كالاختلالات الديموغرافية والتدميرية التي تكون قد حصلت لمكتسبات الشعوب )البنى التحتية وغيرها( مما تم تدميره نتيجة الحرب فتغرق هذه الدول في مستنقع الجهل والفوضى والتخلف بحيث تكون أقرب ماتكون إلى مجتمعات القرون الوسطى .
اليابان دولة خسرت الحرب وتعرضت إلى تدمير فضيع وقعت معاهد ة إستسلام لقوات الحلفاء ... ماأود طرحه هنا ليس سؤالا استفهاميا فحسب وإنما جوابا استنتاجيا ,كيف نهضت اليابان هذه النهضة التي تستحق منا الوقوف والتفكير مليا ؟ هل أن هنالك قوى خارقة استطاعت أن تنهض باليابان المدمرة بقنبلتي هيروشيما ونغازاكي ؟
اليابانيون حالهم حال شعوب الأرض ليسوا بالشعب الخارق ولكنهم الشعب المواضب والمثابر استطاعوا أن يتجاوزوا التاريخ ولم يقفوا عنده مطولا لم يلقوا له بالا ,ولم يتباكوا ويتفننوا في اساليب النوح واللطم والبكاء,لم يتغنوا بالنكبة ولم يمجدوا النكسة بل اتجهوا لتبني ثقافة الإنتاج وهذه الثقافة التي هي نتاج ثقافة (ايديولوجيا المجتمع الياباني),ففي الثقافة اليابانية مثلا من العيب أن يجلس المرء ليحتسي كوبا من الشاي او فنجانا من القهوة في احدى المقاهي أثناء وقت العمل فتجد المقاهي خاوية في فترات العمل والإنتاج وتكتض بمرتاديها في ساعات الإستراحات .في الولايات المتحدة وأوروبا تجد أن الجميع يصمت عندما يتحدث القانون فإذا وجد القانون الكافل للديمقراطية والحرية تخلص الإنسان من عقدة الخوف على نفسه و حقوقه وملكيته و توجه بدوافع الاطمئنان إلى الإنتاج فالدول التي تطبق الأنظمة الديمقراطية تكون أكثر إبداعا في مجال البحث العلمي و أكثرجذبا للإستثمارات وتدفق رؤوس الأموال وبالتالي أقل بطالة.
لما تبنت المجتمعات الغربية الفكر الرأسمالي ,القائم على تعظيم ثقافة العمل والإنتاج والضامن للحرية والملكية الفردية حققت هذه المجتمعات نجاحات لايستطيع إنكارها أحد استطاعت ان تنتقل نقله نوعية من المجتمعات المتخلفة إلى المجتمعات المدنية المتحضرة ,لأن هذا الفكر يتوافق مع الدوافع الفطرية للإنسان التي تستثيرها الحاجات, والدوافع التي تبنى على القيم الجيدة تحدد شكل سلوك الأفراد وتوجههم نحو الأهداف وتحفزهم على الإنتاج فالمسألة ليست الموارد الطبيعية فقط وإنما الموارد البشرية والكوادر المنتجة المدربة والمدعمة بالثقافة الاجتماعية التي تقدر العلم والمعرفة .
المجتمعات العربية تبنت للأسف الثقافة المعطلة للإنتاج ثقافة تثبيط الهمم واعتبرتها موروث يجب أن يوضع موضع التقديس .
فالمجتمع يحارب كل من يحاول المساس بالمفاهيم والقيم الخاطئة أصلا فيضعه في قفص الإتهام ويحكم عليه بقانون (التطاول), استطاعت الثقافة التي تحمل في مضامينها الكسل والظلم والثأروالغلو والعيب من المهنة وغير ذلك من مفاهيم مغلوطة إجهاض كل خطط التنمية التي تقوم بها الدول و التي ماكانت هذه القيم لتنتج لوتبنى المجتمع ثقافة العمل والإنتاج واحترام القانون .
ماأحوجنا اليوم إلى صياغة مشروع حضاري هدفه تعديل أنماط التفكيروالسلوك وإعادة صياغة الثقافة المجتمعية . فياترى متى نلحق بالركب ؟ .
خالد مطر بني خالد
Khaled.alkhaldi787@gmail.com