زاد الاردن الاخباري -
ترجمة: علاء الدين أبو زينة - أثار المؤتمر الصحفي الأخير للرئيس أوباما عاصفة من القلق إزاء أحوال استراتيجيته للتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام "داعش". لكن "داعش" ليست هي التحدي الوحيد الذي يستحق وضع "استراتيجية" مدروسة جيداً للشرق الأوسط. إن الإدارة تحتاج أيضاً إلى صياغة خطة متماسكة وقابلة للإدامة لدعم الشعب الأردني.
على السطح، ربما لا يبدو مصير الأردن ذا أهمية حيوية بالنسبة لمصالح الولايات المتحدة. لكن واضعي الاستراتيجيات سيجانبون الحكمة إذا هم تجاهلوا مصير ذلك البلد. إن الأردن هو "حجر زاوية". إنه يقع بين الدول التي يعتبر مستقبلها مسألة حيوية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
نعم، يجب على الولايات المتحدة أن تتعامل بفعالية مع الأزمات الراهنة في الشرق الأوسط: الحرب والإرهاب، والتحديات الإنسانية، وعدم الاستقرار السياسي والصراع الطائفي. لكن المفتاح لتحقيق سلام وازدهار المنطقة على المدى الطويل هو تعزيز الحرية الاقتصادية في المنطقة، في سياق إقامة مجتمع مدني بناء.
لقد ناضل الأردن طويلاً ليكون قائداً ورائداً إقليمياً في مسيرة التنمية المستدامة. وسيكون في مصلحة الولايات المتحدة أن تساعد الشعب الأردني على أن ينجح ويصبح محفزاً للتقدم في المنطقة بدوره.
قبل وقت طويل من أن تصبح الحرب الأهلية السورية أو "داعش" موضوعات بارزة على "تويتر"، وثقت دراسة قامت بإجرائها كلية الحرب التابعة للجيش الأميركي وصدرت في العام 2008 –محقة- طبيعة الدور الذي يلعبه الأردن في الجغرافيا السياسية الإقليمية، والأهمية الهائلة التي يشكلها هذا البلد الصغير قياساً بوسائله المحدودة.
لعل مما يُحسب للإدارة، أن الولايات المتحدة عمدت منذ بداية الحرب الأهلية السورية، إلى زيادة انخراطها مع عمان. وفي العام الماضي، سافر وزير الدفاع الأميركي تشاك هاغل إلى الأردن لزيارة اثنين من أبرز قادتها العسكريين: العقيد الأمير فيصل بن الحسين والفريق الركن مشعل الزبن. وكانت تلك الإيماءة الشخصية خطوة ذكية من جانبه. وكذلك كان بيان الوزير، الذي أكد فيه على أهمية العلاقة الاستراتيجية بين البلدين. كما أعلن هاغل أيضاً عن تمديد فترة نشر الجيش الأميركي في الأردن، والذي كان يشارك في التخطيط المشترك للطوارئ.
ثم في وقت لاحق من ذلك العام، أعلنت الإدارة الأميركية عن إضافة نحو 400 مليون دولار من المساعدات الإنسانية إلى برنامج مساعدة قائم أصلاً، مدته خمس سنوات. وبالإضافة إلى المساعدات العسكرية والاقتصادية، دعمت الحكومة الأميركية التنمية الاقتصادية الأوسع وبناء القدرات الأردنية في مجالات مثل إدارة المالية العامة وتسهيل التجارة. كما وقعت الولايات المتحدة أيضاً اتفاقيات لضمان القروض الأردنية السيادية، والمصممة لدعم الإصلاحات الاقتصادية الجارية في الأردن. وعلاوة على ذلك، تعمل إدارة أوباما على صياغة برنامج جديد للمساعدات مدته خمس سنوات، والذي يبدأ في العام المقبل.
كل هذا الاهتمام مبرر جيداً. وحتى قبل غزو "داعش" للعراق، كانت الحرب الأهلية السورية قد وضعت عبئاً هائلا على كاهل الأردن. وقد أضافت هذه الحرب إلى اللاجئين الكثيرين أصلاً في البلاد أكثر من 600.000 لاجئ سوري. وكان هؤلاء الأفراد قد دخلوا بشكل أساسي عبر الحدود الشمالية للأردن، لكنهم تفرقوا الآن إلى أجزاء أخرى من البلاد.
ولا يأتي كل هذا الإجهاد من الشمال فقط. فالأردنيون تربطهم علاقات وثيقة مع الشعب الفلسطيني. ويضيف النزاع القائم في غزة عبئاً آخر على المواقف المحلية المتقلبة تجاه الأحداث الجارية في المنطقة.
بالإضافة إلى ذلك، يوجد في الأردن جناح قوي لجماعة الإخوان المسلمين، التي تسمح لها الحكومة بالمشاركة في بعض الأنشطة السياسية. وفي شهر آب (أغسطس)، نظمت جماعة الإخوان مسيرة ضخمة لدعم حماس. ومع ذلك، وفي حين لا تعمد الحكومة إلى قمع المجموعة، فإنها تسعى إلى عدم إرخاء العنان تماماً لها، حيث ترى في المنظمة عاملاً محتملاً لزعزعة الاستقرار إذا ما سُمح لها بالتصرف بلا قيود.
ليس هناك أي شك أيضاً في أن الأردن يقع إلى حد كبير في منطقة اهتمامات "داعش". وقد ناقش الأصوليون السلفيون، وهم فصيل مهم من الإسلاميين الأردنيين، بشكل علني ما إذا كان من المناسب أن يعلنوا تأييدهم لتنظيم "داعش". كما انضم المئات من "المقاتلين الأجانب" الأردنيين إلى صفوف الجماعات المتطرفة التي تقاتل في سورية والعراق. وقد حددت "ويكيسترات" Wikistrat وهي مؤسسة استشارية على الإنترنت، والتي تستخدم منهجية تخطيط معتمدة على مصادر متنوعة، أربعة سيناريوهات موثوقة يمكن أن تستخدمها "داعش" لتهديد الأردن.
منذ عدة أشهر الآن، ما تزال الحكومة الأردنية ترسل إشارات تعبر فيها عن قلقها إزاء تهديد مباشر ربما يواجهه البلد من "داعش". وفي شهر حزيران (يونيو)، قامت الحكومة بإرسال قوات إضافية إلى الحدود في أعقاب تقارير أفادت بأن المتمردين المتشددين استولوا على المرافق العراقية عند نقطة عبور طريبيل. وفي شهر آب (أغسطس)، قتلت قوات الأمن الأردنية اثنين من المتطرفين وألقت القبض على خمسة آخرين بينما كانوا يحاولون التسلل عبر الحدود، وكانت هذه الحادثة هي الأخيرة من عدة حوادث مشابهة وقعت خلال الأشهر الأخيرة. ووسط هذه المخاوف الأمنية المتزايدة، يعاني الأردن فيما يتعلق بأجندته للإصلاح السياسي والاقتصادي أيضاً. وقد تم طرح العديد من التعديلات الجديدة التي سيكون من شأنها، في حال اعتمادها، أن تعكس وجهة تدابير تخفيف السلطة التي تم تطبيقها بعد الربيع العربي. ويبدو أن قطار الإصلاح السياسي قد توقف.
في هذه الأثناء، تعطلت التدفقات التجارية القادمة من سورية، فضلاً عن عبء اللاجئين الهائل الذي سبب توتراً شديداً وضغوطاً كبيرة على الاقتصاد الأردني. وفي العام الماضي، انخفضت درجة الأردن على مؤشر الحرية الاقتصادية الدولي الذي نشرته مؤسسة "هيريتيج" وصحيفة وول ستريت جورنال. ومن المرجح أن ينخفض ترتيب البلد مرة أخرى في المؤشر المقبل. وكتب أنتوني كيم، أحد محرري المؤشر: "في شهر آذار (مارس)، طلب الملك عبد الله الثاني من حكومته وضع خطة طويلة الأجل للتنمية الاقتصادية، والتي يكون من شأنها، من بين أمور أخرى، تعزيز القدرة التنافسية، والإنتاجية والاعتمادية الشاملة على الذات في البلد". ومع ذلك، ما تزال الإصلاحات الاقتصادية الداخلية مثيرة للجدل، وقد أضافت المزيد من التوترات.
إن الدعم الاقتصادي، مترافقاً مع برنامج جاد للإصلاح، يشكلان وصفة للنجاح، طالما بقي الوضع الأمني في الأردن مستقراً. ويمتلك الأردن جيشاً محترفاً، فعالاً وقادراً. وتسهل علاقات البلد القوية مع الولايات المتحدة والحلفاء الإقليميين عمليات الاستخبارات وعمليات إنفاذ القانون المشتركة التي أثبتت كونها قيمة للغاية.
سوف يشكل وجود أردن مستقر مفتاح الفوز في العراق. وفي المقابل، ستكون أكبر مساهمة يمكن للولايات المتحدة أن تقدمها للأمن الأردني هي مساعدة العراقيين في طرد "داعش" إلى خارج العراق في أسرع وقت ممكن.
تبقى عناصر وضع استراتيجية فعالة للأردن في متناول اليد إلى حد كبير. وسيكون كل ما يترتب على البيت الأبيض القيام به هو وضع حلقات السلسلة معاً. ومع ذلك، فإن الوقت ليس في صالح الرئيس. وكلما تردد أكثر، كلما ارتفع خطر ضياع كلا البلدين وذهابهما إلى الجانب المظلم.
* جيمس جاي كارافانو - نائب الرئيس لقضايا الدفاع والسياسة الخارجية في مؤسسة "هيريتيج".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Why Obama Needs a Strategy for Saving Jordan