زاد الاردن الاخباري -
يجول أحمد 14 عاما بعربته الخشبية انحاء السوق، يدفعها بقوة بعد أن اثقلتها البضائع المعروضة للبيع، ويمضي طيلة النهار متنقلا من شارع الى آخر حيث زحمة الأقدام. ورغم تقلب الظروف الجوية في أربعينية الشتاء، الا ان أحمد يقسو على نفسه ويواظب على التواجد في سوق وسط المدينة منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات المغيب، يحتل الأمكنة المزدحمة بالمارة ويبدأ بمناداة الزبائن، معلنا عن رخص أسعار بضاعته عله يعود الى المنزل وفي جعبته القدر الكافي من المال. أحمد كغيره من الأطفال الذين يمضون عطلتهم المدرسية في الأسواق وعند الإشارات الضوئية، وتحتل بسطاتهم الأرصفة وتتوسط الشوارع، ورغم أن الإجازة التي تفصلهم عن الفصل الدراسي الثاني لا تتجاوز الـ20 يوما فإن العديد منهم يجدها فرصة للعمل ومساعدة الأسرة في تلبية احتياجاتها واحتياجاته الخاصة ايضا. يقول أحمد "أتواجد هنا يوميا من أجل تحصيل قوت العائلة اليومي"، مستطردا "أعمل تلبية لرغبة الوالد، فهو يقول بأن على ابنائه مشاركته تكاليف الحياة بخاصة في فصل الشتاء الذي يحتاج الى توفير أثمان وقود التدفئة وتغطية تكاليف شراء الملابس الشتوية". ويجهد أحمد في توفير مبلغ من المال لشراء ملابس جديدة يبدأ فيها الفصل الدراسي المقبل، بعد أن أصبح تدبرها بعيدا عن أولويات الأب المنشغل في تأمين احتياجات أفراد أسرته الأساسية والتي يصبح توفيرها عبئا نظرا لغلاء المعيشة. صغار السن أمثال أحمد تستقطبهم أعمال البيع، ومهنة جمع أجرة حافلات النقل (الكونترول)، على الرغم من أنها مضنية وذات أجور زهيدة. ومنذ ساعات الفجر الباكر ينسل حسن (13) عاما من فراشه متجها الى السوق ليحتل جزءا من الرصيف ببسطته الخشبية استعدادا لعرض ما في حوزته من بضائع سهلة الحمل. ويقول "أتيت هنا لأترزق" بهذه العبارة يلخص حسن اسباب خروجه باكرا للعمل، مشيرا الى أنه يضطر الى قضاء العطلة المدرسية في العمل من اجل مساعدة الاهل في تحمل مصاريف المعيشة وفي ظل عدم قدرة والده على تحمل تكاليف تدريس ابنائه في الجامعات. وتعتبر احياء إربد الفقيرة وطبقاتها الاجتماعية متدنية الدخل مصدرا رئيسا لعمالة الاطفال في أسواقها، وما يزال سوق الخضار المركزي وأسواق البالة والسوق الذي يتوسط المدينة يزدحم بأجساد الاطفال الفقراء ممن يتسمرون تحت اشعة الشمس الملتهبة بملابسهم الرثة طيلة النهار للعودة "بما يرضي آباءهم ويطعم باقي افراد اسرهم". وفي الشارع يحاول الطفل ان يتقمص دور الاكبر منه سنا متناسيا طفولته سعيا منه لمساعدة أهله في تغطية كلفة حياة لا تهدأ اسعارها ومتطلباتها. "ويعد تأمين الاحتياجات الاسرية قاسما مشتركا يدفع معظم الاطفال للتوجه للعمل تحت وطأة ظروف عمل صعبة"، بحسب رئيس جمعية حماية الاسرة والطفولة بإربد كاظم الكفيري الذي أشار الى أن 5% من اطفال المدارس يتوجهون للعمل في العطلة الفصلية واصفا هذه العمالة "بالموسمية المؤقتة". وبين أن متطلبات الاسرة في أشهر الشتاء تضع ارباب الاسر امام تحديات توفير وسائل التدفئة ونفقات العلاج من الامراض الشتوية وتأمين اللباس الشتوي والتي لا تتمكن غالبية الاسر من تجاوزها دون مساعدة اطفالها وان كانوا صغارا في العمر. ويضيف، الأعمال التي يمارسها طلبة المدارس في العطلة تختلف عن الاعمال التي يلتحقون بها اثناء العطلة الصيفية باعتبارها أعمالا مؤقتة فيبقون على اعمال البيع التي لا تتطلب منهم سوى التجول وعرض بضائعهم. ويعمل هؤلاء المتجولون في ظروف جوية صعبة سيما وان اربعينية الشتاء ما تزال في بدايتها، وفقا للكفيري الذي اوضح ان غالبيتهم يجولون بملابس رثة لا تقيهم برودة الجو. ولفت الكفيري الى أن الاسرة غالبا ما تدفع بأبنائها صغار السن للعمل في العطلة لكسب المال، مشيرا الى ان غالبية الاباء يقدمون على تشغيل ابنائهم بحجة "تنمية شخصيتهم وتأهيلها ليصبحوا رجالا قادرين على مواجهة التحديات، وهي ثقافة سائدة لدى بعض الاسر ولا بد من تغييرها. ويرى أن المسؤولية تقع على اسرة الطفل التي ترى ان عمل اطفالها ضرورة اقتصادية للمساهمة في رفد دخل الاسرة وتلبية متطلبات عيشها. ويشير الكفيري الى خطورة عمل الاطفال التي تزداد في ظل عملهم في ظروف غير تربوية يكتسبون من خلالها سلوكيات خاطئة ومفاهيم غير سوية عن الحياة فضلا عن الالفاظ البذيئة التي تصبح من وجهة نظرهم مقبول تداولها ضمن اطار المدرسة والحياة الاجتماعية. ويدعو الكفيري الجهات المعنية لاتخاذ حلول جدية للحد من الظاهرة من خلال رفع مصادر الدخل وتشجيع الاسر على تبني المشاريع الانتاجية الصغيرة، سيما وان العوامل الاقتصادية والأسرية تعد ابرز اسباب توجه الاطفال الى الشوارع. ولفت الى ان نسبة الاطفال الذين يتوجهون الى سوق العمل في عطلة بين الفصلين يقدر بـ 5% من اطفال المدارس، فيما ترتفع في العطلة الصيفية لتصل الى 25% بما يعادل حوالي 8 آلاف طفل. وتشير إحصائية أعدتها دائرة الإحصاءات العامة بالتعاون مع منظمة العمل الدولية الى أن عدد الاطفال العاملين في الأردن بلغ حوالي 32676 طفلا خلال العامين 2008 - 2009. ويتركز تواجد أكثر من نصف الاطفال العاملين %55 في محافظة العاصمة ويليها %35 في محافظتي إربد والزرقاء فيما تتراوح النسب ببقية المحافظات بين 1% الى 3%، فيما تخلو بعض المحافظات وفقا للمعلومات الرسمية من ظاهرة عمالة الاطفال. من جانبه أرجع مدير مديرية تربية اربد الاولى المهندس بدر العجلوني ظاهرة توجه طلبة المدارس الى سوق العمل الى انصياع هؤلاء الطلبة لرغبة ذويهم، لافتا الى ان العطلة الانتصافية من حق الطالب وينبغي ان ينعم بقسط من الراحة خلالها كي يعود الى مقاعد الدراسة وهو في أوج نشاطه. وأكد ان الطلبة الذين يقضون عطلهم المدرسية في العمل يعودون الى مدارسهم وهم غير مهيئين لتلقي التعليم فضلا عن ان استمرارية بعضهم بالعمل بعد الدوام الدراسي تعزز سلوكيات التفلت من الدوام المدرسي والتسرب الدائم. وبين أن لا احصائيات متوفرة لدى الوزارة عن عمالة الاطفال، غير ان الملاحظات اليومية تؤكد وجود الظاهرة. الغد