قانون الانتخاب الجديد الذي طبلت وزمرت له الحكومة،واشتركت به المعارضة،يحمل في ثناياه تأكيداً يتم من خلاله رفع أصحاب الشأن والجاه والمال والسلطان، وذلك على حساب المواطن الأردني والعشائر الأردنية الصغيرة،بل ويؤكد على تعميم فكرة الوراثة السياسية من خلال قوننتها وشرعنتها. ليمنع أبناء الأردن البعيدين عن التكتلات العشائرية الكبرى التي هي بطبيعة الحال موالية للحكومة تاريخيا.
الأردن الرسمي يقول أن الانتخابات القادمة ستكون صورة مشرقة و ديمقراطية جديدة لا شبيه لها،سوف يتم تلافي الأخطاء والهفوات التي أصابت الانتخابات السابقة بمقتل،والتي شهد لها القاصي والداني على عدم مشروعيتها لخضوعها لمنطق التزوير.
فيما يتأرجح الأردن الشعبي بين تيارات ثلاثة آخذة بالاتساع،وكلا من هذه الأطراف متمسك بطرحه،الأول يقول بمشروعية الانتخابات وشرعيتها ويعمل على إنجاحها بشتى الوسائل والسبل حتى لو تطلب الأمر العمل على استخدام أساليب ملتوية شبيهة بتلك التي فرضت أجندتها على الانتخابات السابقة.
التيار الثاني يناضل ترويجا من اجل زرع فكرة تزوير الانتخابات بغية تجيرها لأسماء مكرورة ومكروهة شعبيا،هذا التيار يمثله بالدرجة الأولى حزب الإخوان المسلمين،ومن بعده أحزاب المعارضة الشكلية.
التيار الثالث،تيار عريض جدا تسيطر علية أفكار عشائرية تطالب بنواب خدمات لا نواب أجندة وسياسات،نواب قادرين على تلبية احتياجاتهم المختلفة،وفي هذا التيار عودة إلى المربع الأول الذي أنتج مجلس معاق حركيا حال دون اخذ دوره التشريعي كما المجلس السابق.
أضافه إلى هذه التيارات،هناك تيار رابع آخذ بالتمدد،يدعو إلى العزوف عن الدخول في معمعة الانتخابات،لا كرها فيها أو توجساً منها،بل خوفا من انتاج مجلس نواب لا يلبي الطموحات الشعبية،شبيه بالمجلس السابق الذي تم حله في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي،قبل عامين من نهايته،بعدما اثبت فشلة
جبهة العمل الإسلامي التي تمثل الذراع الرئيس المعارض في الأردن،من جانبها حذرت أكثر من مرة من ان الانتخابات القادمة ما هي في حقيقة الأمر الا صورة طبق الأصل عن شقيقتها السابقة،سوف يغلب عليها التزوير. تجدر الإشارة إلى ان هذا التحذير جاء بعدما تم منع الطلبة في الجامعة الهاشمية من الإدلاء بأصواتهم في انتخابات مجلس الطلبة،المنع قيس عليه،باعتباره مقدمة واضحة المعالم لما ستحمله الانتخابات النيابية القادمة.
جلالة الملك بدوره أصدر توجيهات لحكومة رئيس الوزراء سمير الرفاعي تدعوه إلى اخذ الترتيبات اللازمة لأجراء انتخابات\"عامة حرة ونزيهة وشفافة\".
الرأي العام الشعبي الأردني لم يأتي بجديد،حيث مازال يرضخ تحت نير عدد من الاعتبارات التي تحد خطى سيره،وفي مقدمتها العشائرية،والجاهوية والفئوية،سيما وان الأساليب المتبعة في التعامل مع الانتخابات الحالية هي صورة طبق الأصل عن تلك السابقة التي غلب عليها طابع تفضيل ابن العشيرة\"الشيخ،أو الرأسمالي\"على الخبرة وعلى الشخص الأفضل،هذا دليل بين على عدم اختمار فكرة الانتخابات والنائب المناسب في عقلية غالبية أبناء الأردن،حيث يتم تفضيل سياسات \"أنا وابن عمي على الغريب،وانا أولاً،ومن بعدي ليذهب به الطوفان\".
في عين السياق بين استطلاع للآراء أجراه مركز الدراسات الإستراتيجية التابع للجامعة الأردنية في تاريخ حزيران/يونيو 2010.
اظهر الاستطلاع ان 66% لم يسمعوا، أو يشاهدوا، أو يقرؤوا عن قانون الانتخاب الجديد،فيما وجد 65%من الذين شملهم الاستطلاع ان الانتخابات القادمة سوف تكون نزيهة وحرة وشفافة،بمقابل 9%أفادوا بأنها لن تكون نزيهة على الإطلاق،لا جراء الاتجار بالأصوات او شراءها،بل بسبب تدخل الحكومة في سير العملية الانتخابية لصالح البعض.
يذكر ان قانون الانتخاب الجديد نص على مجموعة من العقوبات تتعلق بعملية بيع أصوات الناخبين وشراءها من قبل المرشحين،في خطوة تنظيمية يراد منها الحد من عملية الاتجار بالأصوات.
وسط هذا المشهد العام نجد ان الغالبية العظمى التي قامت بتقديم نفسها للترشح للمجلس القادم هي فئات في غالبيتها متبرجزة رأسمالية او العشائرية تقول بتحدي العشائر الأخرى،لا انطلاقا من الأفضل بل من الأقوى.
المتابع للأمور يجد ان الانتخابات القادمة لن تختلف عن السابقة من حيث التكتلات التي تحكم داخل العشائر،والمخيمات،والقرى،والمدن،والتي تبتعد كل البعد عن إفراز نواب نوعيين على قدر كاف من المسئولية، نواب كياسة وسياسة،لا خدمات كما يريدها البعض،فالنائب قبل إي شي هو مشرع وهذا دورة الأساس.
وبعد : نتمنى ان يكون مجلس النواب القادم صورة جديدة يشار لها بالبنان وقادر على البناء لا الهدم والتخريب،وهذا لا يكون إلا من خلال استبدال الأفكار القديمة التي تحكم اختيار المرشح من قبل الشعب بناء على كفاءته ومقدرته ،لا من خلال سطوته وراسمالة،مجلس نواب لا يسيطر علية فرد واحد،او فئة واحده،بل يسيطر علية ممثلو الشعب والذي هو أبو السلطات جميعا.
خالد عياصرة
Khledayasrh.2000@yahoo.com