إيحاءات وخواطر من وحي الصورة
صور كثيرة ربما تمر عليها الأعين مروراً سريعاً ، يصير الحديث بعدها ذكرى ... أما هذه الصورة فكانت غير تلك الصور ...
كفّان يفيضان بالعطاء ... كف القائد وكف المواطن ... كلاهما يمتد للآخر كي يتلامسا ويتصافحا بعيداً عن شكليات وبروتوكولات اللقاء بين القيادة والجنود . نعم ؛ يد القائد تشحذ الهمة وتقول: إنها كفي تمتد لكل البنائين العاملين الغيورين المحبين لهذا الثرى الطهور، لأردن الخير والعطاء، وأخرى تمتد واعدة كف القائد وفاءً وولاء ومضياً على الدرب ، فتسترخي بكرمها خارج حدودها ، منتجة طاقة أضعاف طاقتها، إيماناً منها أن الوطن أغلى ما في الوجود .
صورة تليق بأردن العرب ، وأردن الأردنيين ، وصورة تليق بكل صناع الحياة على الأرض ...
إنها تشبه حالة العشق بين الأرض وقطرات الندى ، بين البذرة والغيث ، وهي حالة انسجام تقول لكل قيادات الأرض؛ هكذا يكون التواصل، وعند حدود هذا الانسجام يكون الوفاء.
حينما يخرج المنظرون على الناس بنظرياتهم من خلف الميكرفون أو من وراء شاشة التليفزيون نصفق لآرائهم بقدر محبتنا وقناعتنا بهذه الآراء ، لكن حينما يخرج قائد من قوقعة التنظير إلى موقع من المواقع ، يستشف من واقع الحال ما يكون من حلول للمشاكل ، ويحمل بنفسه عبء التنقل بين الصفوف مسوياً لها ، يتعرف على ما يعتريها من ألم ، وما يحدوها من أمل، حينئذ، بالتأكيد لا يكفينا التصفيق إعجاباً ، إنما ينبغي أن يصير المواطنون إلى حالة من الإندفاع خلف تلك القيادة بكل جهدهم ، لتتصافح الأيدي ، ويختلط العرق فيروي ثرى الوطن ، ثم لا تلبث يد الخير أن تمتد في كل اتجاه حتى نرى الثمار وقد أينعت وآتت أكلها بإذن ربها.
صورة تستفز المشاعر فتنهض من خمولها، فلا نكتفي بالتصفيق وعبارات الإعجاب والمدح ، بل نسير بخطى واثقة مع القائد نؤازره ، نقف خلفه ، نزرع الأرض بكل ما يحلو لها من بذار الخير ، ثم نحصد قمحنا ونقطف ثمارنا ونبني مصانعنا ونعلي صرح حضارتنا . نجمع كل ثروتنا ثم نحتسي قهوتنا آخر الليل في سامرنا، ونصلي شكراً لله وحمداً وثناءً على منّه وكرمه أن حبانا بهذا الخير كله.
صورة استوقفتني بعد رحلة من العمر عرفت خلالها الكثير، عرفت فيها كل تيارات الفكر التي وصفت ذاتها بكل الأوصاف، وسارت في نرجسيتها عبر كل اتجاه، قرأتها في الكتب ، جلست إلى رواد تلك الفكر ، حكوا الكثير من الحكايات ، ورووا لنا بطولاتهم ، ثم انتهى بهم المطاف في قصر هنا أو منتجع كأنه فردوسي هناك ، بنوا جدرانه التي تفصلهم عن مؤازريهم ومحبيهم الذين أوصلوهم إلى ما هم عليه من النعم ، بنوا تلك الجدران من عرق أتباعهم ، وعلى حساب حرياتهم ، ثم تنعموا هم وأولادهم وذراريهم في تلك القصور، وظل الأتباع فقراء مضطهدين.... ليخرج ألئك الحزبيون الفئويون لنا بعد ذلك بخطاب عبر النت او من خلال تجمع هنا او هناك ، يزبدون ويرغون ، ليقابلوا بهتافات تزلزل الأرض من قبل أتباعهم، ثم تختفي تلك الطقوس العابرة كسحابة صيف، لم تمطر أصحابها ، إنما زادت الأمل في قلوبهم ، وحينما تلاشت تضاعف اليأس فيهم ، ولم لا ؟ ! أليسوا خطباء ورواة احاديث جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع؟! أجل ، خطاباتهم ليست سوى أفيون لأتباع تلك الأحزاب ورواد تلك المواخير، زادتهم يأساً وإحباطاً.
صورة القائد استوقفتني وقد امتدت يده لتلامس يداً يدفعها الشوق مخترقة جموعاً كثيرة غفيرة ، وما كانت يد القائد لتشير إلى االمواطن امتدت يده بكل عزمها من بعيد ، ولو فعل ذلك ما كان ليضيره شيئاً ، لكنه مد يده ، وحنى ظهره ليصل لتلك اليد مبدياً رغبته وعزمه بمصافحتها، وما كانت لتعيبه هذه الحركة القيادية القلبية العفوية ، بل بمثل هذه يزداد الشرفاء شرفاً ، ومن تواضع لله رفعه ، ومن انحنى من اجل وطنه ومواطنيه لم تزده انحناءته إلا رفعة وسؤدداً ، ولن تنقصه من قدره الذي اختزنته قلوب الجماهير شيئاً ، بل هي حركة تفي وتكفي لكي لا نسمع كل محاضرات التواضع وكل دروس التواصل ، وهي صورة عفوية ترسم للأردنيين قلب قائدهم بعيداً عن كل البروتوكولات والمظاهر التي يختفي خلفها الكثيرون.
أجل ، بقناعة لا شك فيها ، وبروح لا يختلجها الخور أقول: هذه الصورة هي حالة انسجام بين القائد وجنده ، ألئك الذين في خنادقهم ومعسكراتهم، ومن هم في مصانعهم ومشافيهم ومتاجرهم ومدارسهم وحقولهم ، في مدنهم وقراهم ، وهي صورة لتواضع القائد متواصلاً مع كل فئات شعبه، كما أنها تمثل صورة القدوة لكل مسؤول في موقعه ليخرج من مكتبه ، وليدع الأختام والتوقيعات ويتعرف على مشاكل وهموم الناس ليوجد الحلول العملية، وربما هي رسالة واضحة زاجرة لكل من تسول له نفسه التقصير أو استغلال موقعه لمصالحه الخاصة.
نعم ، صورة عرف صاحبها أنها ستصل إلى الكثيرين ، كل سيفسرها حسب رؤيته ، ألسنا نفسر الصور ونقرأها بطرق مختلفة؟ وهكذا فسرت هذه الصورة ، وبنص هذه الخاطرة قرأتها ، ولست مضطراً لقول ما قلته اليوم ، فسقف الحرية في بلدي الثاني \"أميركا\" يسمح لي بقول غير هذا ، لكن وجدت أن الكتابة امانة ، والأمانة أن نوصل كلماتنا ومشاعرنا لكل من حولنا دون تملق وتزلف ، ولا أجدني في هذه الخاطرة متملقاً لأحد ، فالأردن بلدي الذي أحببته ولم تغنني عنه بلاد الأرض كلها ، وحينما اجد صورة كهذه لقائد البلاد يصبح من الواجب أن أضعها امام من لم يرها ، فلعل المسيء للوطن يرى فيها ما يردعه عن الإساءة له ، وقد يراها المخلص فيزداد إخلاصاً ووفاءً لأهله ووطنه وقائده ، وبقدر ما يكون الوفاء من القائد ينبغي أن يكون الولاء من الجند.
أجل أيها الأردنيون، أيها الأهل، أقول لكم بملئ فيَّ ، وبكل مشاعري ، هذه صورة لندخرها في بيوتنا ومؤسساتنا ومتاجرنا لنعرف كيف يكون التواصل ، فهي للأباء والأمهات مع اولادهم ، وللمعلم مع تلاميذه ، وهي للطالب مع مدرستِه ، ثم هذه الصورة للفلاح في حقله وللعامل في مصنعه ، وصورة أجد فيها دروساً وعبراً لكل مسؤول ، لم يرسمها القائد تمثيلاً ، لكنها جاءت بعفويتة حينما انطلق في شوارع البلاد يجوبها متواصلاً مع أهله وعشيرته ، تماماً كعفوية هذه الكلمات التي ترسم صورة قناعات توصلت إليها ، وهي ان بلادنا بحاجة للأيدي المتشابكة المتواصلة ليستقر أمنها ، وتنعم بما ينبغي لها من خير، إنه أردننا ، وصورة قائده تدفعنا لكي نعلي صرحه ونعلي شأنه ، ألا فليكن ... فالأرض لا يعمرها إلا أهلها المخلصون ... أجل بصورة القائد التي رسمها لنا، وبوفاء أسرتنا الأردنية الواحدة يستمر العطاء بإذن الله.
salaheddin1@yahoo.com