نجحت حركة الإخوان المسلمين في الأردن من الخروج من مأزق إنتخابات حزبها ( جبهة العمل ) الداخلية ، بعد أزمة غير مسبوقة لا في شكلها المعلن ، ولا في مضامينها ، أزمة كادت تطيح بوحدتها الحزبية والتنظيمية وبوحدة مؤسساتها ، نظراً لحجم التفاوت في المواقف السائدة ، وفي الرؤية من تطبيق المفاهيم المختلفة ، بل المتناقضة ، بين تياري المعادلة الداخلية ، بين المتشددين والمعتدلين ، بين الصقور والحمائم ، والخلاف بينهما يظهر أشده في الإنتخابات الداخلية وفي السيطرة على مؤسسات صنع القرار ، لإن في هذه النتائج وعلى أساسها ومخرجاتها تتم السياسات وكيفية التعامل مع المستجدات والأحداث الجارية ، أردنياً وفلسطينياً ، عربياً وإسلامياً.
في الإنتخابات ، الجماعة ، وفي وقت مبكر ، وقبل سنوات ، إستطاع التيار الجذري الأكثر تصلباً ، وفي المعايير الصحفية الأردنية السائدة ، تيار الصقور ، إستطاع جني ثمار مواقفه في إزاحة المراقب العام الأسبق عبد المجيد ذنيبات من موقعه ، وإنتخاب سالم الفلاحات بديلاً عنه ، تمهيداً لإزاحته قبل أن تنتهي ولايته ، بإعتبارهما يمثلان التيار التقليدي المحافظ والمعتدل ، والمتحالف تاريخياً مع النظام ومؤسسات الحكم والحكومات الأردنية المتعاقبة ، وذلك لصالح التيار الجذري المتصلب ، وممثله همام سعيد كمراقب عام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن ، كتعبير ملائم لوجه ومضمون الجماعة ، وإنعكاساً لموازين القوى الداخلية حيث الغلبة للتيار الأصولي المتشدد في مواجهة التيار التقليدي الأخذ بالإنحسار والتراجع ، لأسباب داخلية وكذلك إنعكاساً لنمو ونفوذ التيار المركزي السائد في صفوف وفروع حركة الإخوان المسلمين وخاصة جناحها المصري القائد ، حيث يتعزز دورها ومكانتها مقارنة مع الفصائل الأصولية المنافسة وهي ولاية الفقيه الإيرانية ومرشدها العام علي خامنيئي وتنظيم القاعدة ومرشدها أسامة بن لادن وحزب التحرير الإسلامي ومرشده عطا أبو رشته ، كما تعزز دور ومكانة الإخوان المسلمين ، وباقي الفصائل الأصولية ، بعد :
1- هزيمة التيار اليساري في الحرب الباردة ، هزيمة الشيوعية والإشتراكية والإتحاد السوفيتي في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية .
2- فشل التيار القومي ( عبد الناصر ، حافظ الأسد ، صدام حسين ) في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي ، ومتطلبات التنمية والتحولات الديمقراطية والضغوط الأجنبية ومؤامراتها .
3- وفي غياب التيار الليبرالي المفقود بسبب غياب التقاليد والمؤسسات الديمقراطية في العالم العربي .
ما حصل للتيار المتصلب الجذري الأصولي لدى الجماعة ، وفي نجاح إنتخاب همام سعيد مراقباً عاماً لحركة الإخوان المسلمين ، لم يحصل ولم يحقق هدفه في إنتخابات زكي بني إرشيد أميناً عاماً لحزب جبهة العمل الإسلامي ، حيث رفض التيار المعتدل التسليم بالهزيمة ، وهدد بإتخاذ إجراءات قد تطيح بوحدة الحركة ، وأصر المعتدلون على رفض تدخل الجماعة وإقرار توصيتها بإنتخاب الأمين العام للحزب ، وأصروا على بقاء خيار مؤسسات الحزب مستقلة عن خيار الجماعة الأم ، تعبيراً عن تمسكه بما هو متاح له من هامش للتحرك والمناورة ، وهكذا تم تقديم جائزة ترضية له بإنتخاب الوسطي حمزة منصور أميناً عاماً للحزب بديلاً عن زكي بني إرشيد مع التسليم بنجاح علي أبو السكر رئيساً لمجلس شورى الحزب ممثلاً للتيار الصقوري .
نجاح الجماعة وحزبها في التوصل إلى حالة التهدئة وقبول إنتخاب شخصية تقليدية وسطية ، قطع الطريق على محاولات التمزيق والإنقسام الذي هدد الحركة فيما لو واصل التيار الجذري الصقوري ، تصلبه وضغطه لتثبيت إنتخابات بني إرشيد ، وكلاهما قبل بنصف إنتصار ، وبالشراكة ما بين حمزة منصور التقليدي وبين علي أبو سكر الثوري المتشدد.
الصراع داخل حركة الإخوان المسلمين ، لا يقتصر على فرعها الأردني ، بل يمتد ليشمل أغلبية فروع الجماعة ، في مصر وسوريا وفلسطين والكويت والعراق ، وجوهر الخلاف يكمن في تقدير الموقف من التعامل مع الأنظمة الحاكمة ، وتقييم الوضع الحزبي والتنظيمي للجماعة ، ومدى قدرتها وقوتها للإنقضاض على الأنظمة الحاكمة ، أو طرح التحالف معها من موقع الشراكة في صنع القرار ، أو بقاء الوضع على ما هو عليه حتى تحضر الأوقات المناسبة المهيأة أكثر للشراكة من موقع القوة أو الإنقضاض على ماهو قائم .
الأجنحة المعتدلة تقول بالتأني وتستدل على ذلك ما حصل للجماعة في سوريا أيام حافظ الأسد ، من خسارة وتدمير وتشرد لقيادات الحركة عن سوريا ، وتستدل على ذلك بما حصل في فلسطين وإستيلاء حركة حماس على قطاع غزة ، بينما ترى الأجنحة المتشددة ضرورة البت وعدم التلكؤ ورفض الأستكانة لأنظمة فقدت جماهيرتها وربما فقدت شرعية وجودها ويجب طرح البديل وإستغلال البدائل الديمقراطية ورغبة الغرب في التغيير السلمي للإنقضاض على الأنظمة القائمة أو على الأقل أن تكون الحركة شريكة في أنظمة الحكم من موقع القوة وليس من موقع الأستجداء كما هو حاصل حالياً ، وعدم إعطاء الشرعية للأنظمة والمشاركة في مؤسساتها البرلمانية أو الحكومية بلا ثمن تدفعه هذه الأنظمة لحركة الإخوان المسلمين .
إذن الصراع الفكري السياسي الحزبي التنظيمي ليس خلافاً وصراعاً بين الأشخاص والمواقع والمؤسسات والقيادات ، وحسب ، بل هو صراع جوهري من السلطة وكيفية الوصول إليها ، وما الصراع في الإنتخابات الداخلية ، سوى صراعاً من أجل الوصول للهدف ، والهدف هو الوصول للحكم ، بالوسائل المتاحة ، وإن كان بشكل تدريجي متعدد المراحل .
في الأردن ، ليس هناك رؤية للإستبدال ، ولكن يرى التيار المتشدد أن قوة الحركة بعد نجاح حماس ونجاح الحركة في مصر بهذا العدد من النواب ، وتفاقم الوضع الإقتصادي والإجتماعي في كلا البلدين ، مصر والأردن ، يستوجب الإقلاع عن منطق الأستجداء والخنوع والتحالف من موقع الضعف ، بل الإنتقال إلى موقع الشراكة مع النظام وفي مؤسسات صنع القرار من موقع القوة وإعطاء الشرعية ، فالإنتخابات البرلمانية والبلدية ، من وجهه نظر الإخوان المسلمين ليست شرعية سياسياً ولا قيمة لها وفاقدة للمصداقية ، بدونهم ومن هنا أهمية مشاركتهم ، ومشاركتهم يجب أن تتم على قاعدة الشراكة في القرار، وليس إستقبال وتنفيذ القرار وهذا ما يقوله علناً همام سعيد وزكي بني إرشيد .
h.faraneh@yahoo.com
4/7/2010