لم تكن استراتيجية مؤسسة الضمان الاجتماعي لتوسيع مظلة الضمان الاجتماعي وشمول فئات جديدة عاملة في الأردن بمنأى عن الحس الوطني والشعور بالضرورة الوطنية الملحة لتعزيز مجالات وآفاق الحماية في المجتمع الأردني ، فالظروف الحياتية الراهنة إنْ على مستوى الوطن أو على مستوى العالم أجمع ، تحتّم بذل جهود كبيرة وتوجيه السياسات العامة لدعم جوانب الحماية الاجتماعية للناس وترسيخ الاستقرار النفسي والمادي لديهم ، من منظور المسؤولية الملقاة على عاتق الدولة بكل مؤسساتها وقطاعاتها لتوفير الحماية المطلوبة من المخاطر الاجتماعية التي يتعرض لها الإنسان في حياته وتؤثر في مركزه المادي ، وهي مخاطر تتنوع ما بين مخاطر ذات صلة بالجانب الفسيولوجي والصحي للإنسان كالشيخوخة والمرض والعجز والوفاة ، أو مخاطر ذات صلة بالأوضاع الاقتصادية عموماً كالبطالة والفقر وتذبذب سوق العمل وانخفاض الأجور وغلاء المعيشة وغيرها. وكمؤسسة تُعنى بتوفير الحياة الكريمة للإنسان وتراعي اعتبارات الكفاية الاجتماعية مستقبلاً من خلال شموله بالتأمينات الاجتماعية الأبرز حاضراً والأكثر أهمية وهي التي نصت عليها الكثير من المواثيق العالمية ، وقبلها نص عليها ديننا الإسلامي الحنيف كحق من حقوق الانسان ، وكإحدى أهم الركائز الداعمة لمبدأ العدالة والتكافل الاجتماعي ليتمتع بحياة كريمة ، وهذه التأمينات هي تأمين الشيخوخة والعجز والوفاة وتأمين إصابات العمل والأمراض المهنية.. فقد أولت المؤسسة عبر مسيرتها التي ناهزت اليوم ثلاثين عاماً جلّ اهتمامها لهذا الأمر ، فمنذ أن بدأت تطبيق قانون الضمان الاجتماعي في 1 ـ 1 ـ 1980 حيث تم شمول العاملين في المنشآت والمؤسسات الكبرى في البلاد.. وبعدها بأشهر المنشآت التي تشغل (50) عاملاً فأكثر ، ومن ثم تدرّجت لتشمل المنشآت التي تشغل (5) أشخاص فما فوق ، ثم امتدت مظلة الضمان لتغطي العاملين في القطاع العام والبلديات ، ومن بعد العاملين في الجيش والأجهزة الأمنية.. إلى أن وصلنا لأواخر عام 2008 حيث بدأت المؤسسة مرحلة تدريجية جديدة على جانب كبير من الأهمية بشمول العاملين في كافة المنشآت العاملة في المملكة بصرف النظر عن عدد العاملين فيها ، وكانت البداية من منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ، لتنتقل المظلة من مدينة إلى أخرى ، وها هي اليوم تغطي العقبة ومعان والكرك والطفيلة ومأدبا وإربد ، وتباعاً ستصل المظلة إلى بقية المحافظات في إطار حملة تحت عنوان (مظلة الحماية تكبر لتشمل كل الأردن).
التغطية الاجتماعية أو توسعة نطاق الحماية الاجتماعية ، أصبحت من التحديات الكبرى التي تواجه الكثير من دول العالم ، وخصوصاً الدول التي تعاني من معدلات نمو اقتصادي ضعيفة ومتوسطة ، زاد من أهمية الأمر الأزمة المالية العالمية وتبعاتها وآثارها على المجتمعات والأفراد ، وبخاصة العاملين في الاقتصاد غير المنظم ، فالتحدي كبير ، ولكن الفرص واعدة ، ففي الدول النامية يلاحظ ضعف مستوى الحماية الاجتماعية ومحدوديتها ، لأسباب متعددة منها غلبة الطابع غير المنظم لقطاع واسع من العمال ، وضعف معدلات الأجور الأمر الذي يعيق اقتطاعات الضمان الاجتماعي ويؤدي إلى عدم استقرار سوق العمل ، إضافة إلى تعاظم البطالة ، وتآكل الطبقة الوسطى لحساب الطبقة الفقيرة في المجتمع ، فحتى هذه اللحظة ما زال أكثر من %70 من سكان العالم خارج مظلة الحماية الاجتماعية ولا ينعمون بتأمينات اجتماعية ملائمة توفر لهم حياة إنسانية كريمة عندما يصبحون بحاجة إلى الحماية.. وعندما نتكلم عن دول إقليم آسيا والباسيفيك التي تزيد على ثلاثين دولة ويشكل سكانه حوالي (60%) من سكان العالم ، فإن ما لا يزيد على %10 فقط من سكان دول الإقليم ذات الدخل المتدني يتمتعون بتغطية تأمينية توفرها برامج الضمان الاجتماعي..،،.
يجب أن نفهم كمواطنين وعاملين وأصحاب عمل ومديري مؤسسات أن توجّه مؤسسة الضمان لتوسعة مظلتها يهدف إلى خدمتهم وحمايتهم ومصلحتهم ، وبالتالي خدمة الاقتصاد الوطني وتعزيز التنمية واستدامتها ، فالعامل الذي يعمل في منشأة يقل عدد العاملين فيها عن خمسة أفراد ، من حقه أن يكون مشمولاً بمظلة الضمان حتى ينعم بالحقوق والتأمينات التي توفرها المؤسسة أسوة بغيره ممن يعملون في المنشآت الأخرى الأكبر والأكثر في عدد العاملين ، كما أن من مصلحة صاحب العمل أيضاً أن يبادر بطلب شمول منشآته بالضمان لينقل جزءاً كبيراً من عبء المسؤولية إلى مؤسسة الضمان التي ستتولى توفير الأمان الاجتماعي للعاملين لديه.
توسعة الشمول بالضمان الاجتماعي توجه استراتيجي يأتي تنفيذه في وقت نعتقد فيه أن مجتمعنا أحوج ما يكون إلى توسيع نطاق الحماية الاجتماعية لمواطنيه ، ويجب أن يترافق ذلك ويتناغم مع توجّهات استراتيجية بعيدة المدى للتشغيل الوطني وتحفيز الأردنيين على اقتحام العمل المهني والحرفي ومختلف الأعمال والمهن الحرّة ، لكي ينعم أردننا الغالي ومواطنوه بنظام ضمان اجتماعي شامل ومستدام تعززه سوق عمل مستقرة وآمنة.
مدير الإعلام ـ الناطق الإعلامي باسم المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي