زاد الاردن الاخباري -
"سمعت اخر نكته؟" سؤال لابد ان يعقبه ترقب لما سيأتي على لسان محدثك ..تنتظر بابتسامة بقية الحديث ..نكتة اجتماعية او سياسية او حتى ذات مضمون اخر..المهم ان السؤال وتتمته يجذبان الانتباه. النكتة التي وصفها احدهم يوما بالماء الوحيد الذي يتناوله الانسان عبرالأذن ، لها وجود في كل الثقافات والمجتمعات وان كانت الشعوب العربية قد اعتبرت من أكثر الشعوب حباً وتداولا للنكت. ولطالما حظيت النكتة بمكان واسع ليس فقط في المجالس بل ايضا على صفحات الكتب والصحف وعبر الاثير ايضا ..بعضها ساخرا من واقع اجتماعي وسياسي ، والبعض الاخر عن قصص لشخصيات ومواقف وظواهر اجتماعية ذات صلة مباشرة مع المجتمع. هل لازال للنكت حضورها في مجالسنا وهل لازالت لديها القدرة بشتى انواعها على رسم الضحكة على وجوهنا وهل لازال هناك من يبتكر النكات ؟؟
البلوتوث افقد النكتة بريقها
الشاب العشريني خالد رشيد واصدقاؤه اعترفوا بأن جلساتهم لا تخلو من نكت مختلفة الاطياف. ويضيف خالد"في جلساتنا النكت دائمة الحضور اما شفهيا واما عن طريق الهاتف الخلوي الذي بات وسيلة لنقل هذه النكات لاسيما بعضها الذي يحوي مضامين يصعب التصريح عنها جهرا في تجمعات معينة".
ويزيد خالد"ورغم ان البلوتوث قد افقد النكتة بريقها الذي يعتمد في كثير من الاحيان على اسلوب طرحها والقائها على مسامع الناس الا انه يعتبر وسيلة جيدة لنقلها لكثير من الاشخاص لا سيما ان كانت تجسد ظواهر إجتماعية وحتى سياسية مختلفة بكلمات مضحكة". نبيل كفاوين ايد خالد في ان التكنولوجيا الحديثة بأدواتها المختلفة قد اثرت في تعاطي الناس مع هذه النكت او الطرف الموجودة في كل مجتمع وثقافة كما الامثال والاقوال والحكم.
الا ان كفاوين اضاف ان "الكلمات لم تعد وحدها الوسيلة المتبعة لنسج نكات تعبر عن نقد او سخرية من واقع معين او ظاهرة او حتى شخصية" مؤكدا "ان الرسوم الكاريكاتورية والسكتشات التمثيلية باتت تجذب انتباه الناس اكثر والدليل هو ذلك التداول اليومي بين اجهزة الناس الخلوية وتصفح مواقع الانترنت التي تنشر مثل هذه الرسوم والمقاطع الطريفة ".
علي مراد خالف الاراء السابقة معتمدا على ان للنكتة جوها الخاص لاسيما ان كان من يلقيها انسان يتمتع بخفة الظل ومركزا الى ان النكتة المسموعة اقدر على تنشيط خيال المستمع وجذب انتباهه اكثر من مجرد قراءة حروف هذه النكتة".
النكتة موجودة والضحكة مفقودة
الاربعيني سهيل عمر قال بأن النكتة لازالت تتمتع بحضور وبريق في مجتمعنا مضيفا"لا يمكنك أن تكون في مكان دون أن يباغتك أحد معارفك او زملائك بنكتة قد تكون قديمة او انك لم تسمعها من قبل". ومن منظور شخصي يرى سهيل ان النكتة هي بحد ذاتها تنفييس عن قلق وضغوطات وهروب احيانا من اوضاع نفسية معينة مبينا ان كثيرا من الناس لديهم حس الدعابة والقدرة على ابتكار هذه النكات والتي يراد بها في المجمل التخفيف من اعباء نفسية واجتماعية".
ويحدثنا سهيل عن زميل له يلتقط النكات من مواقع الكترونية ويبدأ بسردها على مسامع زملاء العمل وبهذا يعتقد الزميل ان رسم ابتسامة افضل من صمت وسكون قد يخفي مرارة وألم".
اسباب ومسببات
من جانبه يرى الاخصائي مخلد صالح ان اسباب تواجد وظهور النكت في المجتمع كثيرة منها التنفيس والتسلية والضحك وفي احيان اخرى يراد بها التشهير والشماتة والدعاية وحتى النقد. وان كانت النكتة بحسب صالح تختلف عن الحكمة او المثل اذ ان أغلب أبعادها تخلو مما هو تربوي أو تعليمي او تثقيفي .وعن ابرز انواع النكتة المتداولة في مجتمعنا قال" منها النكتة الاجتماعية والسياسية ونكت تتناول جماعات معينة وتوجهات معينة". وعن أهمية دراسة النكتة لاي تجمع سكاني قال صالح"النكتة تكشف بمدلولاتها أهم تطلعات المجتمع ورغباته وانتقاداته ، وتبين نوعية التفاعل والعلاقات التي تربط المواطن بذاته وبالآخرين ".
ونوه صالح الى ان مجموعة من دراسات عدة بينت فوائد النكتة في الحياة الاجتماعية ، كتقوية التعاون الاجتماعي وتنشيط العقل والإبداع والخيال وفهم مطالب الآخرين والتفاعل والتواصل مع الناس والتقرب إليهم ومقاومة الاكتئاب والقلق واحتواء الغضب ، سيما وأن الضحك يزيد ضربات القلب وإفراز "الأدرينالين" الذي يعقبه استرخاء. وعن اصل النكتة قال صالح انها بدأت مع الإنسان وليست وليدة عصر معين وان كان لها تاريخ طويل.
اقدم نكتة
وعن أقدم نكتة مدونة تم العثور عليها تشير الابحاث الى انها وجدت على ورق بردي فرعوني ويعود تاريخها إلى سنة 3200 قبل الميلاد وتقول هذه النكتة: كان أحد الكتبة يعمل في غرفة بمعبد "تحوت" فأزعجته الجلبة المنبعثة من الغرفتين اللتين تحيطان بغرفته وكان يقيم في إحداهما نجار وفي الأخرى حداد ، ولما أوشك أن يجن من الضوضاء قصد النجار ودفع إليه مبلغا من المال لكي يغادر غرفته إلى غرفة أخرى ، ثم فعل ذلك مع الحداد وقبل الرجلان ، وفي اليوم الموالي انتقل الحداد إلى غرفة النجار وانتقل النجار إلى غرفة الحداد وظل الوضع على ما هو عليه ولم يتغير شيء. ومرت النكتة بتدرج منذ ان كانت مظهرا من مظاهر البذخ وتقال في بلاط الحكام والعظماء في عصور ماضية ، الى ان اصبحت متنفسا لأناس يمرون في ظروف اقتصادية وسياسية سيئة.
وبعد..
لعلها اي النكتة تخفف من شدة الضغوط الحياتية لتعب الانسان وتداعياته اليومية لكن لنتذكر قول الشاعر: (رَوحً النفسَ بالسَلْوً عليها ـ لا تكنْ جاذبَ الهمومً إليها ـ فَلَرُبما مَسَها الزمانُ بضرْ ـ فتكونُ أنتَ والزمانُ عليها).
رنا حداد- الدستور