زاد الاردن الاخباري -
العبث بأحلام البسطاء، جريمة إنسانية لا تعاقب عليها القوانين، على الرغم من جسامتها، والمعضلة أن هذا العبث لا يقف عند حدود مرحلة معينة، بل هو متطور مع البشرية ذاتها، بأدواتها التكنولوجية الحديثة، كما أنه قد يتجاوز حدود العبث المجرد إلى آفاق السطو والاحتيال عبر وسائل التكنولوجيا .. ومنها "الإنترنت".
"سيدي الفاضل.. أنا جوانا، حفيدة رئيس زيمبابوي الأسبق.. لدي في البنك خمسون مليون دولار مجمدة، ويجب أن أدفع عشرة آلاف دولار لتحريرها.. أقرضني إياها ولك 20 مليون دولار". هذا نص رسالة قصيرة وصل الثلاثينية هيام محمد على بريدها الالكتروني الخاص "الإيميل".
أما نيبال رضا "26 عاماً"، فوجد على بريده رسالة مفادها "مبروك.. ربحت مائة مليون دولار أميركي في سحب المليون الأكبر، اتصل بنا على رقمنا لاستكمال إجراءات تسلم المبلغ".
العشرينية ميساء علي لا تعير بالاً لمثل هذه الرسائل، التي يتضح من نصها أنها "آلية نصب"، حسب رأيها، وترى أنه لو لم يقف وراءها مستغلون لما تزايد عددها إلى هذا الحد.
وتعتبر، أيضا، أنه لا فرق بين المحتال والمحتال عليه، نظرا لأن المحتال عليه صدق أنه سيمتلك تلك الثروة بسهولة، من دون أدنى معرفة بالشخص المرسل، لذا فـ "على المجتمع أن يعي أن مثل تلك الأمور هي استخفاف بالعقول، واستغلال باحتراف، يجهلهما البعض" .
رنا (21 عاما) وصلها "إيميل" يخبرها بأنها ربحت سيارة من طراز "بي أم" موديل السنة الحالية، وتم وضع رقم هاتف للاتصال والاستعلام عن كيفية حصولها على الجائزة التي ربحتها في يانصيب خيري عبر "الإيميلات" .
استقبلت رنا الرسالة بفرح عارم، وراحت، على مدار أسبوع كامل، تتصل بالرقم الذي لا يرد عليه أحد، أملا بحصولها على السيارة، ثم لتكتشف، في نهاية المطاف، أن الأمر لم يكن أكثر من خدعة لامتصاص المال عن طريق الرصيد الهاتفي؛ إذ بلغ ما استنزفته من رصيد الهاتف زهاء 30 ديناراً ثمنا للبطاقات المدفوعة مسبقا .
وحين اتصلت رنا بشركة الاتصال لتبلغهم بالقضية، أخبروها أن ذلك لا يندرج تحت نطاق مسؤوليتهم، فالرقم وردها على "الانترنت" وكان عليها أن تتوخى الحذر من شركات النصب والاحتيال النشطة عبر "الإيميلات".
ولا تتوقف ظاهرة "الإيميلات" عند هذا الحد، بل أخذت تتطور بحيث وصلت إلى التلبس بطابع رسمي، فراحت تحتوي على عدد كبير من الشعارات والأختام زيادة في الجدية، وتصل إلى عنوان المنزل وبالاسم الكامل .
العشرينية مريم، مستهدفة أخرى، وصلها "إيميل" يبلغها بفوزها بجائزة من شركة "مايكروسوفت" العالمية، مروس، وبتواقيع توهم بأهميتها، ففرحت وشعرت أن الحظ ابتسم لها بربح الملايين .
غير أن الحلم سرعان ما تبدد، بالنسبة لمريم، التي حاولت تتبع الخطوات لتكتشف أن الأمر خدعة، واحتيال حتى بأسماء المواقع الرسمية الكبيرة على "الإنترنت" .
الخبير التكنولوجي غسان عماد الدين يؤكد أن عملية إرسال "إيميلات الربح" وما شابهها من جوائز نقدية وعينية، تمر بعملية منظمة يقوم بها أكثر من شخص.
ويقول بأن المنظمين يقومون بإرسال "الإيميلات" من خلال "سيرفر" مزود، لأكثر من شخص، وبما يتجاوز عشرات الآلاف في الساعة الواحدة، وتندرج في الغالب تحت مسمى "إيميلات الـ سبام، أو الجنك"، وهي رسائل غير مرغوبة.
"لا يوجد أي إيميل حقيقي يحقق الربح، سواء باليانصيب أو غيره"، وفق عماد الدين، والذي يرى أن المحتالين يعتمدون آلية تزوير بأسماء الشركات الكبرى على "الإنترنت" لإقناع المستقبل بالرسالة.
كما يدعو عماد الدين إلى تجاهل مثل هذه "الإيميلات" من قبل المواطنين، لأن مجرد الرد أو المشاركة بالتفاصيل كفيل بانهيال مئات "الإيميلات" على المتلقي بعد ذلك.
"الإيميل المجهول من المرجح أن يسبب مشاكل كثيرة إذا تم الرد على تفاصيله، كسرقة الرقم السري الخاص بالشخص، فضلا عن أية أرقام خاصة به"، وفق عماد الدين، والذي ينوه بأهمية مراعاة عدم الرد عبر الروابط على مثل هذه "الإيميلات"، كي لا يتعرض المتلقي للنصب والاحتيال.
في السياق نفسه، يوضح اختصاصي علم النفس د.عوض الشيخ، أن اهتمام بعض المتلقين بـ"الإيميلات" الوهمية، يندرج تحت بند شغفهم وحبهم للمال، وملاحقة معطيات العصر، بكل ما تحمله من مضامين.
يشير الشيخ، أيضا، إلى أن ملاحقة معطيات العصر والبحث عن الرفاهية المطلقة، تجعل بعض الناس يحلمون بواقع مغاير، وحياة وردية خالصة، ومن ثم يروادهم أمل يتحول أحلامهم إلى حقيقة واقعة، على الرغم من معرفة البعض بأن هذه "الإيميلات" وهمية.
ويعتقد الشيخ أن مثل هذه "الإيميلات"، تضرب على الوتر الحساس عند الكثيرين، فالمغريات تشد الإنسان في بحثه عن الثراء من أي جهة كانت، ويحاول أن يراها على أرض الواقع، وإن كانت غير واقعية .
"القناعة كنز لا يفنى"، يردد الشيخ، ويؤكد ضرورة أن يترافق إيمان الإنسان بهذا المثل مع التطبيق على أرض الواقع، وأن يتعايش مع وضعه الاقتصادي والاجتماعي، ويحقق طموحه بالطرق الشرعية والضوابط الاجتماعية.
وتقدّر أرقام غير رسمية أن عدد مستخدمي الانترنت في الأردن، يصل إلى مليوني مستخدم بنسبة انتشار تصل إلى 29 %.
وتنوعت مصادر الخدمات التي يحصل عليها المواطنون من الانترنت في المملكة بحسب إحصاءات رسمية، حيث أشارت إلى أن نسبة إرسال واستقبال البريد الالكتروني تتجاوز 52 % مقارنة بالخدمات الأخرى.
سوسن مكحل- الغد