زاد الاردن الاخباري -
تقف البلاد في هذه الظروف الحساسة على رؤوس أصابعها، والقلق يسكن قلوب الاردنيين، ونصفهم حسب الاستطلاعات الرسمية يرون أن الأمور تسير في الاتجاه الخطأ، والنخب السياسية والبرلمانية والأكاديمية والحزبية تحذّر من مفترق طرق يواجه الاردن.
قراءات المعادلة في الاردن مختلفة هذه الأيام، فالقراءة الأمنية والعسكرية واضحة ومحددة، لكنها لا تتجانس مع واقع الأداء الحكومي المرتبك الفاقد للمصداقية والشعبية، ولا الواقع البرلماني الفاقد للشرعية.
لا طريق أمام مغادرة مساحات الخطر التي تلف البلاد إلّا الالتفاف حول خطة الاصلاح الشامل التي طرحها رأس الدولة في أوراق النقاش الملكية، واسناد القوات المسلحة والأجهزة الأمنية في معركة مواجهة الارهاب، واعتماد المصارحة والمكاشفة حتى نضمن درء المخاطر عن بلادنا.
وضع القيادة – أية قيادة في إطار خيار استراتيجي واحد ويتيم عندما يتعلق الأمر بالقضايا والملفات المهمّة والاستراتيجية يرقى إلى مستوى "الخيانة" فما بالُكم عندما تكون هذه القيادة أردنية بمعنى التّراب والأصالة والتاريخ و"هاشمية" بمعنى الشرعية في كل تجلّياتها.
ووضع الشعب – أي شعب – في أحضان خيارات نَخبوِيّة متكلسة أو غير مفهومة أو ثبت أنها لا تملك إلّا مهارة "هزّ الرأس" بين الحين والآخر، وتحتفظ بسجل حافل من الفشل والإخفاق وتكريس قواعد اللّعب "غير النظيف" يرقى إلى مستوى "الإنكار" للواقع.
ويرقى إلى الاعتباط في معالجة المشكلات وبالنتيجة إيذاء جسد الوطن والمساس بروحه والإخلال بعقده الاجتماعي خصوصًا عندما يتكالب المخفقون حول الموقع والمنصب والوظيفة بحيث لا يسمحون إلّا "للأقزام" فقط وأصحاب المصالح والأجندات بالعبور والمرور بعيدًا عن الاستقرار والإقامة في كل الأحوال.
لا يستحق نظامنا وعرشنا ولا شعبنا مثل هذا الأداء والمفارقات ولا تحتمل الظروف بالغة الحساسية التي يمر بها وطننا أو المنطقة تواصل مسلسل الاخفاق وانكار الواقع والقفز عن النتائج وحرق المراحل والسماح لمحترفي النميمة والشخصنة والتضليل بالإقامة الدائمة في عمق قرار دولتنا السياسي والاقتصادي والاجتماعي.
الأردن يمثل اليوم الدولة الأقدم والأعرق في العالم، ونظام الحكم فينا خارج سؤال الشرعية، والأردنيون ضربوا مثالًا يُعلّم البشرية ليس في الولاء والانتماء فقط، بل في الصبر والاحتمال، ومَنَح طبقة الحكم التي تختطف للأسف أحيانًا مؤسستنا الفرصة تلو الأخرى على أمل ان تصل رسالة هذا الشعب من دون فائدة.
لا ينفك بعض سكان الطبقات العليا في مجتمع الإدارة والقرار عن الاسترسال في لعبة حان الوقت لوقفها ومن دون تردد وقوامها "التهافت" على وضع صانع القرار المركزي ومِنْ خلفِه الشعب الأردني أمام عدة خيارات وسيناريوهات يلتهم أحدُها الآخر في متوالية هندسية مُضْجِرة تكاد تلتهم تراث المنجز الوطني كله.
كل شيء من دون استثناء أصبح على الحافة، بفعل المغامرات والمجازفين والنخب المراهقة التي تدير بأقل قدر من الاحتراف والمهنية أضخم الملفات والمشروعات وأكثرها خطورة وأهمية ليس في الاقتصاد فقط، بل في السياسة والإدارة والمجتمع.
وفي الدبلوماسية أيضا حتى انتقل الأردن من دولة خبيرة يحتاجها العالم وحباها الله موقعًا جيوسياسيًا استثنائيًا إلى مؤسسة تحبو وهي تفشل في قطف ثمن الاتجاهات السياسية التي تقررها ولا تستطيع الخوض في مهارة المصالح وهي تغادر درس القراءة الأول في علم السياسة والدبلوماسية.
المبادرات سواء كانت ملكية أم بيروقراطية، تسقط وهي بالطريق، قبل الاستقرار في الأرض، وروح الإنجاز والإنتاج التهمها تعدد الوزراء وتقلب أصحاب المناصب، وكل قرية في الحكم والإدارة "تلعن اختها" قبل الجلوس في غرفة القرار والطبقة الوسيطة بين المحكوم والحاكم خاملة أو مشغولة بمصالحها، والطبقة الوسطى تذوب، وحُواة السياسة هم أنفسهم حُواة القطاع الخاص المعتمدون دومًا من البطانة السيّئة في حالة تدوير عجيبة للفشل والإخفاق.
الأردن في حالته الإدارية والنخبوية الراهنة ينطبق عليه قول الدكتور ممدوح العبادي: " تلميذ ذكي، لكنه لا يدرس".. لذلك يواصل هذا التلميذ النجاح في الامتحانات، لكن يُستعصى عليه التفوق، ولا يسعى للصدارة، ويكتفي بما يَسَّرهُ له القدر بناءً على قدراته وخبراته الذِّهنِية وتفاعلًا مع مشروخة "بَرَكةِ الله".
النجاح المجاني في الامتحان اعتمادًا على التراثيات السقيمة لا يُمكنه ضمان الاستمرار في اللّحظات الحرجة والحساسة، والوقوف الحقيقي إلى جانب الدولة ومؤسسة العرش والوطن والجيش، في مثل هذه الظروف لا يعني التصفيق وانتقال مهارة "التسحيج" فقط، من الطبقة الدنيا إلى الطبقة المثقفة المُسيَّسة التي تعرف من أين تُؤكل كَتِفُ الوطن.
مُساندة الجيش والملك وخيارُنا الاستراتيجي الأزلي في مؤسسة العرش لا يمكن تعريفه مرحليًا إلّا بإعادة روح المسؤوليّة الوطنيّة والالتزام بجسد الإدارة الأردنية، ووقف نَزْفِ الفساد والترهل فعلًا لا قولًا، والتوقُّف عن "إفساد" الانتخابات العامة مرّة بِحجّة قصور القانون، ومرّات بذريعة عدم الاعتياد على "النزاهة".
والانتقال بقرار سياسي لا غموض فيه، نحو قفزة جذرية وحقيقية وكبيرة بمستوى الإصلاح السياسي والامتناع عن ابتداع أفكار بلهاء من طراز الحفاظ على هيبة الدولة بـ"القطعة"، او تكريس التحوُّل الديمقراطي والإصلاح الشامل بـ"التدريج".
كذلك وقْف الاستنزاف، نتيجة الإصرار على آليات غير مفهومة في تمثيل الناس وانتخاب بعضهم، ودفع العديد من المُخفِقين الذين ثبت فشلهم، نحو الاستقرار في الصدارة، وتجميد الاستفزاز الذي يُسبِّبه وجود الكثيرين في أعلى هرم السلطة والإدارة من دون كشف إنجاز او تدقيق او مراجعات مع الحرص واحيانا السهر على "إقصاء" أصحاب الكفاءة والمشهود لهم، وسياسات "الاستبدال" التي طالت حتى شواطئ العشائر الأردنية الوفية ومن دون مبرر منطقي او حجة مقنعة، حتى فسد الأمر كُلّه وكأن النظام ورأسه في خطر، عِلمًا أن تلك "فِرْية وكِذْبة" كُبرى لا مكان لها في قلوب الأردنيين الطاهرة.
البقاء اليوم وسط الصراع الذي يجتاح العالم، يعني بقاء الأردن و الأردنيين جميعهم لا جزء أو فرد منهم، فلا مكانة في المستقبل لأي أردني بعيدًا عن أردني آخر، ولا نجاة لأي حاكم من دون الشعب… نحن في هذا البلد وُلِدْنا معًا وكنّا خلطة إلهية عجيبة حققت معجزات وسنبقى معًا أو نهوي معًا.
الوطن، ملامح وليس ألقابا، كما يقول شاعرنا الراحل حبيب الزيودي رحمه الله، وأية قراءة واعية ومعمّقة لواقعنا العام اليوم تقول بوضوح وبِجدّية بأن مؤسسة الحكومة الحالية تكلّست وأصابها العطَب وتقادمت وهي تمارس على الأردنيين ألعابًا "بهلوانية" لا معنى لها.
وتقول بأن مؤسسة البرلمان الحالية ليست في وضع أفضل، ولا مجال لخوض تحديات المرحلة بها، كما تقول بالتوازي بأن الوقت قد حان لتحضير الدروس والإستعداد للإمتحان املا في التفوق والصدارة وليس فقط بالنجاح، والأهم أزفت ساعة الحقيقة والحاجة ملحة هذه المرة للعودة لجذور قصة الأردنيين المتمثلة بقواعد اللعب النظيفة لإن كل شيء على الحافة .
العرب اليوم