إن طبيعة الإنسان طبيعة معقده لا بل عجيبة وغريبة....فمن البشر من يشكر ومنه من يكفر..(يذكر النعمة أو ينكرها) لكن الجاحدين كثيرون.. فهل سمعتم بقصة ذلك الحطاب الذي وجد ثعبانا وأسدا وذئبا وثعلبا وإنسانا في حفرة بالغابة ..وكلما كان ينقذ واحدا من الحيوانات بحبله كان ذلك الحيوان يوصيه أن لا ينقذ الإنسان...هكذا أوصاه الثعبان والأسد والثعلب والذئب ..لكنه لم يطع الحيوانات فأنقذ الإنسان كما فعل معهم....جميع الحيوانات التي أنقذها ردت له الجميل وأحضروا له الخرفان والدجاج والثعبان جاءه بالذهب....لكن الإنسان خانه وسبب له الأذى...تبدو القصة غير معقولة..لكنها قصة من حكيم يعرف العمق البشري....اتق شر من أحسنت إليه...قليل التجربة يستهزئ بهذه المقولة...كثيرون من تقدم لهم الخير والعون...وتنقذهم من مصائب...لكنهم يتحولون إلى أعداء...انه الحسد ربما....لا شئ غير الحسد.....
ليس في الدنيا شكورا أكثر من الله...يرد لك الحسنة بعشرة أمثالها....ويضاعفها أضعاف مضاعفة...(كحبة أنبتت عشر سنابل.......) تعلمت أني إن عملت خيرا لإنسان فأن نيتي لله...هو المجزي.....
فالإحسان دليل على النبل، واعتراف بالفضل، وعرفان للجميل، وقيام بالواجب، واحترام للمنعم، ينبئ عن الصفاء، وينطق بالوفاء، ويترجم عن السخاء؛ بالإحسان يشُترى الحب، ويُخطب الودّ، وتكسب النفوس، ويُهيمن على القلوب، وتستعبد الأفئدة.
كنت كثيرا اقرأ عن هذا المثل القائل (اتق شر من أحسنت إليه) ولم أكن أؤمن به على الإطلاق فكيف من الممكن أن أحسن لشخص وأفضله على نفسي وينقلب علي فجأة ؟! كنت أقول بأن من المستحيل حدوث شئ كهذا .. فبطبيعتي أعطي الكثير ولا انتظر مقابل , أساعد من هم لهم مكانة في قلبي ولا انتظر كلمة شكر افعل المستحيل ,, وحتى وان كانوا هم المخطئون فإني أحاول تهدئة الأمور ..
لكن ذلك المثل بات صفة غالبة على العلاقات الإنسانية في عصر بات فيه الأخ يأكل حق أخيه بل إن هذا المثل أصبح عنوان المواقف الجاحدة للجميل .. والإحسان الذي يعطى لمن لا يستحق ..
وعلى الرغم من أن النزعة البشرية تدين وتنقاد لمن أحسن إليها.. بحكم رابطة المصلحة إلا انه يوجد لكل قاعدة شواذ يتصرفون على غير المألوف .. ويتنكرون لكل معروف.. وقد لا تخلو حياة إي واحد منا من موقف أو مواقف ذكرته بهذا المثل .. وجعلته يأسف حين افرغ صنيعة الطيب في وعاء من لا يشكر.. ولا يذكر..الناس يختلفون طباعا.. كما أنهم يختلفون تقديرا للموقف .. وتقبلا لملامسة العواطف.. فيهم من ينقاد عن وعي لرابطة العطاء لا بالخنوع والذل.. وإنما بالاعتراف الشاكر لمن أسدى إليه معروفا كان في حاجة إليه.. وفيهم من يرى في الإحسان مظهرا منه فيأباه رغم انه يريده ويفتقر إليه .
وفيهم من يستوعب الإحسان أخذا .. ولكنه يتمرد على صاحبه وفاء لان خصائصه الذاتية لئيمه تزداد صلفا وتنكرا مع كل عطاء.. وعند كل مصافحة .. ويقول الشاعر.. إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وان أنت أكرمت اللئيم تمردا
وليس أبشع من اللؤم .. إلا تمرد اللئيم على من أكرم..
في كثير من الأوقات نحسن الظن بالناس ونحسن إليهم ونفاجأ برد فعل عجيب وغريب، تجد من أحسنت إليه في صف ألد أعدائك، وتجد من أحسنت الظن به هو مصدر إخراج نقاط ضعفك أمام الآخرين.
\"تأبى النفس الخبيثة أن تموت قبل أن تسئ إلى من أحسن إليها\" ، تلك النفس الخبيثة التي تكره النعمة في يديك، وتكره حاجتها إلى إحسانك ومعروفك، فما أن تجد مناصا من هذا انفلتت من بين يديك وتحولت حربا عليك، وأسوأ ما يسوء المرء أن يحوجك الله لمثل هؤلاء البشر، فلن يرحموا حاجتك ولن يتذكروا إحسانك إليهم بل ربما تذكرهم لهذا الإحسان يكون مدعاة أكبر لاضطهادك.
ولكن لا بد لي إلى العودة إلى طبيعتي الطيبة لا بد لي أن أعود إلى إيماني .. فأقول (حسبي الله ونعم الوكيل) فاتق شر من أحسنت إليه .. مقولة اعتقد أنها ضد تعاليم ديننا الحنيف لأن المولى عز وجل يقول في محكم آياته ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) ويقول نبينا الكريم ( صلى الله عليه وسلم : أحسن إلى من أساء إليك وصل من قطعك الحديث ) وان كان إنسان قد خان الأمانة أو رد الحسنة بسيئة فلا يدعونا ذلك إلى الرد بالمثل وإنما نرد بالحسنى وندفع بالسيئة الحسنة فيمحها الله عز وجل بقدرته .
وفي ذلك .. أتذكر ما قرأته عن أبو عمرو بن العلاء أحد الأئمة حين قاله يخاطب بعض أصحابه : كن من الكريم على حذر إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته ومن العاقل إذا أحرجته ومن الأحمق إذا رحمته ومن الفاجر إذا عاشرته وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألك أو تسأل من لا يجيبك أو تحدث من لا ينصت لك.
فمن السهل أن نضحي للآخرين ومن الصعب أن نجد من يستحق التضحية
مع تحياتي
الكاتب : فيصل تايه
البريد الالكتروني : Fsltyh@yahoo.com